يستحب إذا قرب من وطنه أن يبعث إلى أهله من يخبرهم؛ لئلا يقدم بغتة، فإن كان في قافلة كبيرة واشتهر عند أهل البلد وصولهم ووقت دخلوهم كفاه ذلك عن إرساله معيناً.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصح أصحابه ألا يطرق أحدهم أهله طروقاً، والآن قد يسر الله تعالى أمر الهاتف، فبإمكانك أن تتصل بأهلك وتقول: أنا الآن في المكان الفلاني راجع إليكم، وبهذا يكون أهل البيت قد عرفوا أنه سيقدم عليهم في وقت كذا، لكن لو فرضنا أنه لا يوجد هاتف والرحلة آتية في الوقت الفلاني، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً)، وفي حديث أنس:(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية).
أي: من أجل أن يستعد أهل البيت، فلعل المرأة لم تكن متزينة، ولعل البيت لم يكن مرتباً، وهو يكره أن يرى البيت على ذلك، فإذا أخبر أهله أو أرسل إليهم أو اتصل قبل أن يقدم عليهم فإنهم يجهزون أنفسهم لذلك، فلذلك يقول العلماء: يستحب أن يرسل إليهم من يخبر بقدومه في الوقت الفلاني مثلاً، لكن إذا كان في قافلة كبيرة آتية ومعروف ميعاد الرجوع، فلا حاجة إلى مثل ذلك إذا اشتهر ذلك.
فقوله:(إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً) إذا كان الأمر أنهم يعلمون أنه سيأتي الساعة الثانية عشرة بالليل مثلاً فله أن يطرق أهله ليلاً؛ لأن العلة في ذلك أنه قد يرى ما يؤذيه وقد يرى ما يزعجه إذا قدم بالليل، قد تكون المرأة نائمة فتقوم من النوم في هيئة هو يكره أن يراها على ذلك.
يقول جابر:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً) والطارق: هو القادم بالليل، ومنه قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ}[الطارق:١ - ٣].
فهو نجم ثاقب، والنجم يكون بالليل وليس بالنهار، فكذلك هنا الطارق هو الإنسان الذي يأتي ليلاً، فيقول لنا جابر رضي الله عنه:(إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً؛ حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة) أي: حتى تتزين المرأة لزوجها بأن تمشط شعرها، وكذلك تستحد المغيبة، أي: تزيل ما على جسدها من شعر.