إذا أسفر الفجر فالسنة أن يدفعوا من المشعر الحرام متوجهين إلى منى، ويكون ذلك قبل طلوع الشمس، ولهم أن يدفعوا بعد طلوع الشمس، فلو أنهم فعلوا ذلك فلا إثم عليهم ولكن يكره؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يصنعون ذلك.
يقول عمرو بن ميمون: شهدت عمر رضي الله عنه بجمع يصلي الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس.
وجبل ثبير هو جبل في المزدلفة على يسار الذاهب إلى منى، وكان الكفار ينتظرون طلوع الشمس على هذا الجبل، ويقولون:(أشرق ثبير كيما نغير)، فينصرفون، وكأن الإغارة بمعنى: الإسراع في العَدوْ، أو الإغارة بمعنى: النهب والمعنى: ينهبون لحوم الأضاحي واللحوم المنحورة في هذه الأيام، فكأنهم يتعجلون لأكل اللحم أو للتوجه إلى منى، فالنبي صلى الله عليه وسلم خالفهم في ذلك، وأفاض قبل طلوع الشمس صلوات الله وسلامه عليه.
ويندفع الحاج إلى منى وعليه السكينة والوقار، فإن وجد فرجة أسرع، ويكون شعاره في دفعه التلبية والذكر خصوصاً في أماكن المشاعر، ويرفع صوته بذكر الله سبحانه والتلبية والتكبير لله سبحانه وتعالى.
وليجتنب الإيذاء والمزاحمة، وليمش وعليه السكينة؛ لما روى الفضل بن عباس رضي الله عنهما:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس عشية عرفة وغداة جمع حين دفعوا: عليكم بالسكينة).
وقد كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يسير العنق، وفي ذلك يقول أسامة رضي الله عنه:(كان يسير العنق)، أي: يمشي بلطف وسكينة، قال:(فإذا وجد فجوة أو فرجة نص)، أي: أسرع، وهذا بحسب المكان، فإذا كان المكان واسعاً فيسرع، وإذا كان المكان ضيقاً فيمشي بلطف وتمهل عليه الصلاة والسلام.
قال:(فإذا بلغ وادي محسر فحرك قليلاً)، ووادي محسر هو الوادي الذي حسر فيه الفيل وأصحابه وأهلكهم الله عز وجل هنالك، ولذا فإن السنة في أماكن العذاب أن يسرع الإنسان فيها.
ويستحب في هذا المكان أن يحرك الحاج الدابة قدر رمية حجر، بمعنى: لو أمسكنا بحجر وخذفنا به فوصل إلى مكان، فتكون المسافة من مكان الرمي إلى مكان وصول الحجر هي مسافة بقدر رمية حجر.
ووادي محسر ليس من مزدلفة ولا من منى، بل هو واد بين الاثنين، ويستحب الإسراع فيه كما ذكرنا.