للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال العلماء في تحديد العشر من ذي الحجة هل بالليالي أم بالأيام]

مسألة: اختلف العلماء: هل أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة أو وعشرة أيام من ذي الحجة؟ قال بعض أهل العلم ومنهم الشافعية: على أن اشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، وهذا القول مروي عن ابن مسعود وابن الزبير والشعبي، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، والثوري، وأبي ثور، وقال به أبو يوسف من الأحناف، وقال به: داود.

وذهب غيرهم من العلماء منهم: أبو حنيفة، والإمام أحمد، وأصحاب داود بن علي إلى أن أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة.

الخلاف في يوم العيد نفسه هل هو داخل فيها أم لا؟ الذي قال: لا يدخل قال في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة:١٩٧] من الممكن أن تفرض الحج في شوال وذو القعدة وذي الحجة إلى ليلة عشرة من ذي الحجة يمكن أن تذهب إلى عرفات ليلة العيد، لكن غير ممكن يوم العيد أن تفرض الحج، إلا على قول من يقول بأنه يجوز الحج في العام كله، ويبقى محرماً طوال العام، وهذا فيه نظر، لذلك الصواب أن الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فستبقى العشر الليال من شهر ذي الحجة من أشهر الحج، أما أن تفرض الحج بعد ذلك فلا، إلا أن تجوز الإحرام في السنة كلها.

فإذاً: الذين قالوا: عشرة أيام، قالوا بأن يوم العيد أكثر المناسك تكون فيه، فكيف يوم العيد لا يكون داخلاً في أشهر الحج؟ فأنت تصلي الفجر يوم العيد في المزدلفة ثم تخرج إلى منى وترمي الجمرات وهي من ضمن المناسك، وتحلق شعرك وتنحر الهدي، ثم تذهب فتطوف بعد ذلك، ثم تبيت في منى، وهو يوم الحج الأكبر.

نقول: وإن كان من أيام الحج وفيه المناسك، لكن ليس فيه فرض الحج، إنما الفرض في ليلته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة)، فأنت حتى تنال الحج لا بد أن تقف بعرفة.

ومن أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد الحج وإنما ينعقد عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام، فلو أن إنساناً عقد حجاً في يوم العيد وقال: لبيك حجاً فلا ينعقد لهذا الإنسان حج، لكن الذي عقد الإحرام يتحلل بعمرة، والراجح أنها مجزئة عن عمرة الإسلام.

فأما إذا أحرم بنسك مطلقاً قبل أشهر الحج، في رمضان أحرم وقال: لبيك اللهم لبيك لم يعين حجة ولا عمرة وإنما نسك مطلق، فنقول: ينقلب إحرامه عمرة؛ لأن الوقت لا يقبل إلا العمرة على الراجح.

لا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة؛ لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة، إلا في مسائل دقيقة جداً ويلغز بهذه المسائل، كأن يذهب الإنسان ليعمل حجة، ومنع من هذه الحجة، وقدر له أن يرجع مرة أخرى، على تفصيل يذكره العلماء في ذلك، وهي أنه أحصر، فتحلل بأعمال عمرة فرجع فلما رجع إلى الميقات تمكن من أن يذهب مرة ثانية، فكأن هذه الحجة قضاء عن هذه في العام الواحد.

هذه صورة من الصور التي ذكرها العلماء في ذلك، لكن الأصل أنه لا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة؛ لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة؛ ولأنه لا يفرغ من أفعال الحج إلا في أيام التشريق، ويتعذر الوقوف بعرفة في السنة الواحدة مرتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>