[الدواب التي لا يجوز قتلها]
لكن الممنوع من قتله هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدد، والصرد)، فهذه الأشياء طالما أنها لا تؤذيك فلا تتعرض لها، فإذا كنت محرماً ووجدت نملة أو مجموعة من النمل في الأرض فلا تتعرض لها، لكن لو أن النمل لدغك فقتلت التي لدغتك جاز ذلك، والنمل قد يكون فيه نفع، وقد يكون فيه أذى، لكن هذا الحديث فيه أنه نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد، ولم يقل في الإحرام ولا في غير الإحرام، فهو على العموم.
والنمل أمة من الأمم خلقها الله سبحانه وتعالى، والله لا يخلق شيئاً إلا لحكمة، فلو أن الإنسان حاول أن يقضي على كل النمل الموجود في الكون لأخل بالتوازن البيئي، فالنملة فيها منافع، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله.
وفي بعض البلاد يبيعون النمل ويشترونه، كاليمن فإنهم يحتاجون إليه من أجل أن بعض الفطريات التي تظهر على أشجار الموالح كالبرتقال،، واليوسفي وغيره، فالذي يقضي على هذه الأشياء هو النمل، فيحضرون النمل من الغابة ويضعون أغصاناً مليئة بالنمل فوق الجمال، ثم ينقلونها إلى السوق ويبيعونها، فمن اشترى منها شيئاً ذهب به إلى مزرعته فيدخل النمل على الأشجار فيقضي على الفطريات الموجودة عليها.
ولذلك لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل بعض الأشياء إلا لأن فيها منافع قد يجهلها الكثير من الناس، وقد يعلمها البعض، فالله عز وجل حين ذكر النمل، وذكر وادي النمل، فيه دليل على أن له وادياً وله مكان فيه، وقد ذكر العلماء في النمل أشياء عجيبة جداً، فقالوا: إنه يشبه الإنسان في أشياء كثيرة في حياته، فهو يعيش في مجموعات فيها الملكة، وفيها الشغالة، وعندما يموت يدفن بعضه بعضاً بجنازة، وهذا عجيب جداً! فكما أن الإنسان يزرع فالنمل يزرع، وكما أن الإنسان يحلب فالنمل لها حيوانات تحلبها، تحضر لها السكر وغيره ثم تتأنى، كالإنسان يخرج بماشيته في الصباح من أجل أن ترعى ثم يحلبها في الليل، وكذلك تصنع النملة، فلم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها إلا لسبب من الأسباب.
فلا يقتل النمل إلا إذا كان مؤذياً، كالنمل الأبيض الذي انتشر في الإسكندرية في هذه الأيام، وخاصة في بعض الأماكن يدمر البيوت، ويأكل الخشب، فهذا مؤذ فيقتل.
فالنمل الذي يدخل البيوت ويأكل مدخرات الإنسان ويؤذيه بالقرص يجوز قتله، أما إذا كان الإنسان في أثناء الحرم فيدع النمل ولا يتعرض له؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ونهى أيضاً عن قتل النحلة، والنحلة النافعة للإنسان قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:٦٩].
وكذلك الهدهد؛ لأنه صديق للفلاح، وليس مؤذياً للإنسان وفيه نفع، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله، وكذلك الصرد، والهدهد لا ينتفع بلحمه، فلحمه ليس بطيب.
والصرد: نوع من أنواع العصافير يقولون: إن منقاره أحمر أو أرجله حمراء، وكان العرب يتشاءمون منه، فكانوا بمجرد أن يروه يقتلونه للتشاؤم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فالقدر بيد الله عز وجل وحده.
وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فأمر النبي بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله تعالى إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟)، ففيه إشارة إلى أن قتل نملة واحدة كان كافياً.
وفي رواية أخرى: (فهلا نملة واحدة؟!) أي: التي قرصتك.
إذاً: فكل ما يؤذي الإنسان يجوز للإنسان أن يدفعه أو يقتله في الحل والحرم.
وإذا احتاج المحرم إلى لبس ثياب أثناء الإحرام بسبب الحر، أو البرد، أو المرض، أو بسبب القتال، حتى يدافع عن نفسه، جاز له ذلك، وعليه الفدية.
وإذا أراد حلق الشعر من رأسه أو غيره لأذى في رأسه، كقمل ملأ رأسه، ولا يستطيع أن يزيله إلا بحلق شعره كله، أو وسخ، أو غيره في شعره، أو في بدنه، أو حصلت مجاعة في أثناء الطريق ولم يجدوا شيئاً وخافوا أن يموتوا من الجوع وهم حجاج، جاز لهم أن يأخذوا صيداً فيقتلوه ويذبحوه ويأكلوه للضرورة، فإن الضرورات تبيح المحظورات، وعليهم جزاء الصيد بعد ذلك.
وإذا نبت في عينه شعرة أو شعرات داخل الجفن، وتأذى بها، جاز قلعها، فلو أن شعرة من جفنه دخلت في عينه، وتأذى منها جاز أن يقلعها ولا شيء عليه.
وكذلك لو كسر ظفره وبقي منه شيء يؤذيه جاز له أن يزيله، ولكن لا يقص باقي الأظفار.