للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صنفا الناس في المراد بظاهر النصوص من عدمه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد].

قبل أن نبدأ التفصيل لابد أن نفهم ما معنى ظاهر النصوص؟ وما معنى كونه مراداً أو غير مراد؟ مع أن الشيخ قد فسر بما فيه الكفاية، لكن أريد أن أشير إلى الفلسفة التي عند أصحاب هذا القول قبل أن نشرع في الرد عليه، فالذين قالوا: ظاهر النصوص مراد، أو غير مراد هم صنفان: الأول: المشبهة، وهم أوائل الرافضة، ثم مع الجدال معهم والمراء، وكثرة جدالهم للجهمية والمعتزلة تحولوا إلى مؤولة ومعطلة، لكن المهم أنهم زعموا أن ظاهر النصوص مراد ويقصدون غير ما يقصده السلف، فيقصدون بظاهر نصوص الصفات مراد: أنهم يفهمون التجسيم والتشبيه لله تعالى، فالظاهر ما يتبادر إلى الذهن مما هو معلوم في عالم الشهادة، فإذا جاء ذكر اليد أو الوجه أو العين أو الاستواء أو نحو ذلك تبادر إلى أذهانهم المعنى المعهود، والشكل المعهود مما يحسونه بحواسهم، فلذلك شبهوا الله في خلقه.

الثاني: هم الذين قالوا: بأن الظاهر غير مراد، وهؤلاء مروا بمرحلتين: مرحلة تصور التشبيه، فاستبشعوها فقالوا: إذاً ظاهر النصوص غير مراد، ويقصدون بظاهر النصوص: ما قصده المشبهة من نفي التشبيه، لكنهم أدخلوا في ظاهر النصوص الحقائق اللائقة بالله عز وجل، فزعموا أنها تدخل في مفهوم ظاهر النصوص، وهذا خطأ.

إذاً: ممكن أن ينشأ القول الحق بين القولين، وهو أنه يجوز أن يقال: إن ظاهر نصوص الشرع في أسماء الله وصفاته وأفعاله مراد إذا قصدنا بظاهر النصوص الحقائق اللائقة بالله، لا للتشبيه، وعلى هذا حين تصبح كلمة: (ظاهر النصوص) من الكلمات المجملة التي لابد فيها من التفصيل، يقال لمن قالها: إن قصدت بظاهر النصوص: الحقائق، فهذا لا شك أنه ظاهر من النصوص، وحق يليق بالله عز وجل، والله ليس كمثله شيء، والتشبيه منفي، وإن قصدت بظاهر النصوص: المشابهة، وتمثيل الله بخلقه، فهذا باطل قطعاً، وليس هو مراد في كلام الله عز وجل؛ لأن الله نفى وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، وقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، فهذا النفي يدل على أن الظاهر الذي هو التشبيه غير مراد، ولا شك أن الظاهر الذي هو الحقيقة أنه مراد؛ لأن الله عز وجل خاطبنا بالقرآن، والقرآن قد جاء {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٥]، أي: موضح غير ملبس.

فإذاً: لابد أن تكون ظواهر النصوص مرادة على ما يليق بجلال الله عز وجل، والمراد بذلك الحقائق.

<<  <  ج: ص:  >  >>