قال المصنف رحمه الله تعالى: [كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:٣٥]، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق، ولا هم الخالقون لأنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم].
عند التأمل في البراهين القرآنية نجد أنها تتميز عن براهين الفلاسفة وغيرهم بالبساطة والقوة، والإيجاز والوضوح، وهذا إعجاز، فقاعدة:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)، قد يكتب فيها الفلاسفة المجلدات، لكن لبعدهم عن الحق وقعوا في المتاهات والضلالات، مع أن هذه قاعدة فطرية يدركها البليد ومتوسط الذكاء والعبقري، بل والبسيط من أصحاب الفهم الذين لا يكون عندهم عادة قدرة وتمكن في التفكير، ومع ذلك يدركون هذه القاعدة الفطرية.
ولذا فإن الإنسان إذا تأمل هذه القاعدة، وجد أنه لا يمكن أن يحيد عقله السليم عن أنه لا يمكن أن يكون قد خلق الخلق من غير شيء، ثم تأتي درجة ثانية وهي: إذا كانوا خلقوا من غير شيء، فهل يعقل أنهم خلقوا أنفسهم؟! هذه القاعدة في ثلاث عبارات أو عبارتين سليمة من المقدمات المعقدة، ومن الافتراضات الفلسفية، وفي نفس الوقت هي فطرية وضرورية ولازمة، يعني: لا يستطيع أن ينفك عنها العاقل، فكل عاقل لا بد أن يقف عندها بوضوح، وعند ذلك يصل إلى نتيجة جازمة لا شك فيها ولا ريب، بأنهم لم يخلقوا من غير شيء ولم يخلقوا أنفسهم، وهذا يشمل كل المخلوقات.