الأصل الثاني: توحيد العبادة الواجب في شرع الله وقدره اعتقاداً
قال المصنف رحمه الله تعالى:[فصل: وأما الأصل الثاني، وهو التوحيد في العبادات، المتضمن للإيمان بالشرع والقدر جميعاً].
هذا هو الأصل الثاني في تقسيم الدين أو التوحيد، والتوحيد يشمل الدين كله، وينقسم إلى أصلين: الأصل الأول: التوحيد المتعلق بالله عز وجل، أي: الخبر عن الله المتعلق بذاته وأسمائه وصفاته وقواعد ذلك، وقد تكلم فيه المصنف عما يجب لله عز وجل من الكمال في أسمائه وصفاته وأفعاله، وقعد ذلك، ورد على المخالفين، وأجاب على شبههم بشيء من التفصيل، ثم انتقل إلى الأصل الثاني على منهج أهل الحق، أعني: منهج الأنبياء والصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة، وهو أنه لا بد من اكتمال الأصلين، فينبني على الأول الأصل الثاني بالضرورة؛ لأنه ما دام أننا قد عرفنا كمال الله عز وجل سبحانه، وما يجب أن نعظمه به من الأسماء والصفات والأفعال، فلا يعني ذلك أننا نقف عند هذا التعظيم، وإنما يلزم منه شيء آخر، وهو المطلوب من العباد، ألا وهو العبادة لله عز وجل، إذ هو الأصل الثاني، فيقال للعباد: قد عرفتكم كمال الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، وما يجب له من الحق، إذاً فالتزموا لازم هذه المعرفة، وهو أن تعبدوا الله وحده، وأنه وحده سبحانه المستحق للعبادة، وهو الذي يجب أن يخضع له العباد قدراً وشرعاً، ولذلك جمع الشيخ هنا في الأصل الثاني القدر والشرع جميعاً، فقال: الأصل الثاني، وهو التوحيد في العبادات.
وهذا له مفاهيم كثيرة، فتوحيد العبادة يسمى: توحيد العمل؛ لأنه هو عمل القلوب والجوارح تجاه الرب عز وجل، وما يجب أن يعمله العباد في حق ربهم عز وجل، فهو توحيد عمل، حتى المحبة والرجاء والخوف واليقين والإنابة والإحسان وغير ذلك هي أعمال قلوب، فيتوجه بها إلى الله عز وجل وحده، فلذلك يسمى: توحيد العمل، ويسمى: توحيد القصد، ويسمى: توحيد الطلب، ويسمى توحيد الإلهية؛ لأن الناس يتألهون به إلى الله عز وجل، تأله العبادة والطاعة والتسليم والرضا والإذعان والعمل، فسمي هذا التأله عبادة، والتأله: انجذاب الإنسان بقلبه إلى الله عز وجل، وعليه لابد أن يكون على شرع، ومعنى التأله: التعبد، والتعبد أيضاً لا يكون إلا على ما جاء به الرسل، فلذلك سمي توحيد الإلهية.
وسمي توحيد القصد والطلب؛ لأنه مما يقصد به العباد ربهم عز وجل، فتوحيد القصد هو التوجه إلى الله بالقلب والجوارح؛ لأن العباد يقصدون به رضا الله، ويقصدون به ثواب الله، ويقصدون به عبادة الله، قصد القلوب وقصد الجوارح، وكذلك الطلب بمعنى القصد؛ لأن العباد يطلبون به الرضا والتسليم لله، ويطلبون به عبادة الله، ويطلبون به رضا الله، ويطلبون به الجزاء من الله، فهذه كلها معان وأوصاف لشهادة نوع من التوحيد.
مع أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع والجهلة يقولون: إن هذا التقسيم محدث ومبتدع، وهذه كلها ما جاء بها إلا الفلانيون، مما يعيرون به أهل السنة من التغييرات، ويزعمون أن هذا من صنع السلف من عند أنفسهم، بينما هو مقتضى دلالة النصوص، بل هو المقصد من بعثة الرسل، إذ هو تحقيق الألوهية؛ لأن مجرد معرفة الله عز وجل تبقى فطرية، لكن يبقى معرفة ما يجب لله عز وجل من الكمالات على جهة التفصيل، هذا هو الذي جاء به الأنبياء في ذات الله وأسمائه وصفاته، ثم ما يجب لله من الطاعة والامتثال والعبادة، أيضاً ما جاء به الرسل، فهذا كله هو التوحيد، فحينما نصفه بالأوصاف الأخرى، نصفه بأوصاف شرعية هي دلالات قطعية، ولا مشاحة في الاصطلاح.