قال المصنف رحمه الله تعالى:[وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه، ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره].
هذا دليل بدهي في الرد على الذين أنكروا الأسماء والصفات، كالجهمية، أو أنكروا بعضها، كالمعتزلة ومن سلك سبيلهم، فهؤلاء كلهم يرد عليهم بمثل هذه القاعدة العقلية البدهية، إذ إن شبهتهم في إنكار الأسماء أو الصفات أو بعضها: أن إثبات هذه الأسماء أو الصفات لله عز وجل يقتضي التشبيه، فالجهمية يقولون: إذا سمينا الله عز وجل بالعليم أو الحكيم فقد شبهناه بالمخلوق؛ لأن المخلوق قد يكون حكيماً، وكذلك الذين ينفون الصفة يقولون: الحكمة من صفات المخلوقين، فإذا وصفنا بها الخالق فقد شبهناه بالمخلوق، وبالتالي نفوا عنه الحكمة، وكذلك بقية الصفات، فكان الاشتباه عندهم هو في التشابه اللفظي، والشيخ قد بدأهم من حيث الأساس الذي ينطلقون منه جميعاً، فكلهم يثبتون الوجود لله، سواء الجهمية والمعتزلة ومتكلمة الأشاعرة والمؤولة لبعض الصفات أو لكثير منها، وكلهم يجتمعون على وصف الله باعتبار أنه موجود.
فيقول لهم: أنتم إذا عبرتم عن الله بأنه موجود، أليست كلمة (موجود) اسماً وصفة؟ سيقولون: بلى.
يقول: إذا كان من أجل التشابه اللفظي تنكرون الأسماء والصفات، فكذلك كلمة:(وجود) فيها اشتباه لفظي؛ لأننا كما نصف الله بأنه موجود، والمخلوق موجود، نستطيع أن نقول: المخلوق إذاً غير موجود، لكن ما دام أنه موجود فإذاً هو حي ويرزق، وعليه فكما نفيتم يلزمكم أن تنفوا حتى الوجود، وأما إذا أثبتم الوجود -مع وجود الاشتباه اللفظي- فيلزمكم أن تثبتوا بقية الصفات لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وإن قلتم: نحن نثبت وجوداً يليق بجلال الله، فنحن نقول أيضاً: ونحن نثبت لله بقية الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله، فما الفرق؟! وهذه قاعدة تطرد معنا في الدروس التي ستأتي بمشيئة الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله تعالى:[فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود، وإن البعوض شيء موجود، إن هذا مثل هذا، لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود؛ لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كلياً هو مسمى الاسم المطلق، وإذا قيل هذا موجود، وهذا موجود، فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما].