تنازع الناس في إسلام من تقدم من أمة موسى وعيسى وبيان كون الإسلام خاصاً وعاماً
قال المصنف رحمه الله تعالى:[وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟ وهو نزاع لفظي، فإن الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا، وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً؛ فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء].
هذا التفصيل مهم جداً؛ لأنه الآن قد بدأت تظهر فتنة ظهرت قديماً على ألسنة غلاة المتصوفة وغلاة المتكلمين، وبعض المتحذلقين ورءوس بعض المعتزلة والجهمية، وبعض العباد الجهلة الذين بذروا بذور التصوف، وهي دعوى: أن الإسلام هو اتباع أي نبي، بل قالوا: أي شرع مستقيم أو قويم، حتى إن بعضهم لا يربطه بالأنبياء، فيرى أن المجوس جملة المسلمين، مع أنهم لا ينتسبون إلى نبي، وكذلك الصابئة، وإن كانوا يدعون أنهم ينتسبون إلى يحيى بن زكريا، وقد يستدلون بمثل النصوص العامة في الإسلام العام، وهذا خطأ، بل هو ضلال مبين، فالإسلام كما ذكر الشيخ إن قصد به الإشارة إلى دين الأنبياء فهو ما جاءوا به كلهم، وخاصة ما يتعلق بالعقائد، وفي عهد كل نبي الإسلام هو دينه الذي جاء به شريعة وعقيدة، حتى وإن وجد في وقت واحد أكثر من نبي، فكل منهم جاء بالإسلام في محيط ما بعث به وشرع له، ثم بعد ذلك بعدما ختمت النبوات والشرائع بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن ينصرف الإسلام لأول وهلة إلى هذا الدين جملة وتفصيلاً، هذا الدين بأصوله وفروعه، ولا يجوز التمويه أو استعمال هذا المصطلح على غير سياق بين، لكن مع ذلك إذا أردنا أن نخصص معنى الإسلام بالعقيدة فإنا نقول: كل الأنبياء جاءوا بالإسلام، فهم لا يختلفون في العقيدة، ولا في الثوابت العامة للدين، حتى قطعيات النصوص وقطعيات الأحكام يتفق فيها الأنبياء، وعلى هذا إذا جاء السياق في بيان ما بعث به عموم الأنبياء فنقول: بعثوا بالإسلام، وخاصة جانب الاعتقاد، لكن هذا لا يأتي إلا لمناسبة، ولا يعبر به التعبير المطلق عن الإسلام، ومتى ما جاءت كلمة (الإسلام) فإنه لابد أن يقصد بها لأول وهلة هذا الدين، أما إذا جاءت في السياق تدل على أن المقصود ما جاء به الأنبياء فهي بحسب السياق.
إذاً: الأنبياء اتفقوا في أصول الاعتقاد وأصول الدين وقطعياته إلى قيام الساعة، واختلفت شرائعهم، وكل شريعة في وقتها إسلام، ثم ختمت هذه الشرائع بهذه الشريعة، فصار الإسلام على هذا المعنى هو هذا الدين، والشرائع الأخرى حرفت وبدلت ونسخت، فلم تعد تدخل في مسمى الإسلام.