[حقيقة أسماء الله عز وجل وصفاته ليست هي الصور التي في الأذهان]
ومن هنا أنبه إلى ما ذكرته أكثر من مرة، وهو أن المسلم عندما يسمع خطاب الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، لا بد أن يتوهم في ذهنه صوراً تقريبية تقرب الحقيقة له، ولكن هذه أمثال تُضرب، فحقيقة أسماء الله وصفاته أعظم وأجل من أن تكون هي التي في الأذهان، فمثلاً: يسمع المسلم قوله عز وجل: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٣ - ٤]، وقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] لابد أن يكون في ذهن السامع صورة تخطر لهذه المعاني، وهذه الصورة ليست هي حقيقة وصف الله عز وجل قطعاً، ولذلك الجهمية والمعتزلة أخطئوا حينما اعتقدوا ما توهموه، أو ظنوا أنهم لا بد أن يعتقدوا ما توهموه، بينما نحن نقول غير ذلك؛ لأن ما يفهمه المخاطب إنما هو مجرد أوهام وأمثال في ذهنه تقرب إلى الحقائق العامة لا الحقائق المقيدة، الحقائق المطلقة في الأذهان وليست في الأعيان والواقع، وحينما نحول هذه المعاني إلى الواقع فإنها فيما يختص بالله عز وجل أعظم من أن نتخيله أو نتصوره أو يخطر بالبال، فإن الله له الكمال المطلق وليس كمثله شيء، لكن ومع ذلك {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١].
وأما إطلاقها على المسميات المعلومة فبحسب حالها، فالمخلوق ناقص وقاصر وفانٍ، ولا شك أن وجود هذه المسميات في المخلوقات على الوجه الذي يليق بالمخلوقات من النقص، وإطلاقها على الله عز وجل على الوجه الذي يليق بالله سبحانه من الكمال الذي لا يمكن أن يخطر على بال، فإذا كان هناك من مخلوقات الله فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلله المثل الأعلى، فصفاته وأسمائه من باب أولى ألا تخطر على قلب بشر، وهذه عقيدة السلف، ومن هنا ندرك جناية وخطأ الذين يتّهمون السلف بالتشبيه.