قال رحمه الله:[فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟ قيل له -كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضي الله عنهما-: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة؛ لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه.
وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته.
قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله، وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟! وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر، مستوجبة لصفات الكمال، لا يماثلها شيء، فسمعه وبصره وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر، وهو متّصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم].
بعد أن بين الشيخ كيفية الرد على مثل هذه الأسئلة -وسيفصل أيضاً بشكل أوسع- أحب أن أذكر بالقاعدة الأصلية التي أراد الشيخ أن يُرجع الناس إليها، وهي قاعدة السلف التي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة السلف، وأهل الاستقامة من الراسخين في العلم وأتباعهم من أهل السنة والجماعة إلى قيام الساعة، هذه القاعدة الأصلية التي من اعتقدها لا يمكن أن ينشأ عنه أصلاً هذا السؤال، ولا حتى الباعث للسؤال، وهي: أن الأصل في أسماء الله وصفاته وأفعاله إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تمثيل ولا تشبيه؛ لأن الإثبات مبني على قوله عز وجل:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]، مع ما ورد قبل ذلك في أول الآية:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١].
وكذلك نفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، والنفي جاء مفصلاً ومجملاً، فإن الله عز وجل نفى النقائص عن نفسه إجمالاً، ونفى ما رماه به أهل الباطل تفصيلاً، وعلى هذا فإن المسلم إذا أخذ بقاعدة الإثبات مع قاعدة النفي سلمت عقيدته، ولم ينشأ عنده أصلاً السؤال عن الكيفية ولا الباعث على السؤال.
إذاً: الباعث على السؤال إما أن يكون من مشبّه، وإما أن يكون من معطِّل، وإما أن يكون من جاهل.