للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمثلة على أن الاشتراك اللفظي بين صفات الخالق والمخلوق لا تعني التماثل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقد سمى الله نفسه حياً، فقال: {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥]، وسمى بعض عباده حيًا، فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:١٩]، وليس هذا الحي مثل هذا الحي؛ لأن قوله: (الْحَيَّ) اسم لله مختص به، وقوله: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركاً بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق.

ولابد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى.

وكذلك سمى الله نفسه عليمًا حليمًا، وسمى بعض عباده عليمًا فقال: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:٢٨]، يعني: إسحق، وسمى آخر حليمًا، فقال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:١٠١] يعني: إسماعيل، وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم.

وسمى نفسه سميعًا بصيرًا، فقال: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:٥٨]، وسمى بعض عباده سميعًا بصيرًا فقال: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:٢]، وليس السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير.

وسمى نفسه بالرءوف الرحيم، فقال: {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة:١٤٣]، وسمى بعض عباده بالرءوف الرحيم، فقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، وليس الرءوف كالرءوف، ولا الرحيم كالرحيم.

وسمى نفسه بالملك، فقال: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:٢٣]، وسمى بعض عباده بالملك، فقال: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف:٧٩]، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف:٥٠]، وليس الملك كالملك.

وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن، وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} [السجدة:١٨]، وليس المؤمن كالمؤمن.

وسمى نفسه بالعزيز، فقال: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:٢٣]، وسمى بعض عباده بالعزيز، فقال: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:٥١]، وليس العزيز كالعزيز.

وسمى نفسه الجبار المتكبر، وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر، فقال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:٣٥] وليس الجبار كالجبار، ولا المتكبر كالمتكبر، ونظائر هذا متعددة].

إن كل النصوص السابقة تمثيل للقاعدة السابقة في أسماء الله عز وجل، وأن كون أسماء الله عز وجل مشتركة مع أسماء المخلوقين أو مع أسماء بعض المخلوقين، لا يقتضي الاشتراك في الكيفية، وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: لا يقتضي التشبيه، ولو قلنا: إنه تشبيه، معناه: أنه لابد أن نصادم النصوص، ويضطر من يقول ذلك بإلغاء النصوص وردها، وهذا كفر صريح، وكذلك العكس، فلو قال: أنها تقتضي التشبيه، فقد خالف النص القطعي وبداهة العقول من أن الله عز وجل ليس كمثله شيء.

إذاً: فالمسلم لا يجمع بين هذا وذاك، وكل ما سبق هو في تطبيق القاعدة في أسماء الله عز وجل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك سمى صفاته بأسماء، وسمى صفات عباده بنظير ذلك، فقال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥]، وقال: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨]، وقال {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:١٥]، وسمى صفة المخلوق علمًا وقوة، فقال: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥]، وقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦]، وقال: {فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} [غافر:٨٣]، وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>