قال المصنف رحمه الله تعالى: [والفناء يراد به ثلاثة أمور: أحدها: هو الفناء الديني الشرعي الذي جاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وهو أن يفنى عما لم يأمر الله به بفعل ما أمر الله به، فيفنى عن عبادة غيره بعبادته، وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله، وعن التوكل على غيره بالتوكل عليه، وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله، وعن خوف غيره بخوفه، بحيث لا يتبع العبد هواه بغير هدى من الله، وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما قال تعالى:{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٤]، فهذا كله هو مما أمر الله به ورسوله].
هذا هو المعنى الذي أشار إليه الشيخ قبل قليل، وهو التسليم لله عز وجل، لكن كيف يسمى فناء؟ الحقيقة هذا يشكل، وشيخ الإسلام رحمه الله قد أوقع من بعده من أهل السنة خاصة في إشكال في هذا الأمر، نعم هو أراد أن يجر الذين ابتلوا إلى الحقائق الشرعية بهذا الاستدراج، لكن مع ذلك كونه يعتبر هذا فناء مشروطاً، أو أن هذا التعبد لله عز وجل هو حقيقة العبادة والتسليم والذل له سبحانه، وأن الإنسان لا يلتفت إلى غير مراد الله، ولا يهتم بغير ما يريده الله، فلا يبالي إلا بما يحبه الله، لكن كيف نسميه فناء؟ الأمر فيه تكلف شديد، لعل للشيخ ما ذكرته من الأعذار.