[دلالة حديث:(وسقفها -أي: الفردوس- عرش الرحمن) على علو الله وفوقيته وغيره من النصوص]
قال رحمه الله تعالى: [فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن).
فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يراد به العلو، سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ}[الحج:١٥]، وقال تعالى:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان:٤٨].
ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله:{مَنْ فِي السَّمَاءِ}[الملك:١٦]: أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.
وكذلك الجارية لما قال لها:(أين الله؟ قالت: في السماء)، إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها].
لا شك أن مقتضى الفطرة والعقل السليم، ومقتضى النصوص الشرعية أن الله عز وجل فوق كل شيء، فكيف يقال: إذا قلنا: بالعلو الذاتي لزم الجهة ولزم التشبيه ولزم التكييف؟ فهذا يتنافى مع إقرارنا الفطري الضروري بأن الله عز وجل فوق كل شيء، وعلى هذا إذا كان فوق كل شيء فلا يجوز أن نحكمه بجهات أو مكان، ولا نحكمه بداهة ببداء العقول وبداء الفطرة، فلا شيء يحويه ولا شيء يحيّزه، ولا شيء يحصره سبحانه وتعالى، ولذا فإن كل ما ردّوا به الإثبات إنما هو أوهام في عقولهم وخيالات، وإلا فلا نحتاج إلى تقرير هذا كله، ولذلك ما كان السلف يتكلمون على هذه الأمور على جهة التفصيل، حتى جاءت المعطّلة والمؤولة، وفتنوا الناس وفتنوا العامة وقالوا: لا يليق أن نقول: إن الله عز وجل فوق العرش، ولا أنه مستو على عرشه، وقالوا: هذا تشبيه وتجسيم، وسموا من يثبت العلو: مشبِّهاً ومجسِّماً، فلما وصلوا إلى حد إفساد فطرة الناس، وإفساد دينهم، وأيضاً سوء الأدب مع الله عز وجل، وقلة البصيرة، اضطر السلف أن يتكلموا على هذا الجانب على جهة التفصيل، وإلا فنحن في غنى عن هذه الأمور كلها، ومن هنا أرى أن مثل هذه الدروس التفصيلية لا تكون عند كل الناس، وعند كل المسلمين العامة والناشئين، والذين لا يعنيهم التخصص في العقيدة، فالناس يُعلّمون الدين بمجملاته، ويُعلّمون أسماء الله وصفاته على جهة العموم، فيعظّمون الله ويدعونه بها، لكن مثل هذه التفاصيل لا تكون إلا لطلاب العلم في الدروس المتخصصة؛ لأن فيها حرجاً على أمور الناس، بل إن أكثرهم لا يفكّر فيها أصلاً، وأكثر الناس على الفطرة، ولذا كما ذكر شيخ الإسلام: أنهم ما اضطروا لمثل هذه التفصيلات إلا رداً على طوائف أوقعت الأمة في الحرج وفي مثل هذه الأهواء.
قال رحمه الله تعالى: [وإذا قيل: (العلو) فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق.
وإذا قدر أن (السماء) المراد بها الأفلاك، كان المراد أنه عليها].
يعني: فوقها.
قال رحمه الله تعالى: [كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}[طه:٧١]، وكما قال:{فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ}[التوبة:٢]، ويقال: فلان في الجبل، وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء فيه].