للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان القصد من دراسة مسائل العقيدة]

السؤال

ألا ترى أننا انشغلنا بإثبات الأسماء والرد على المبتدعة عن معاني هذه الأسماء والتأمل فيها؟

الجواب

سبق أن نبهت على هذا أكثر من مرة، وقد جعلت لي منهجاً معيناً عند تدريس العقيدة، وهو: أنني أقول: إن المقصود من دراسة العقيدة عموماً ومن دراسة أسماء الله وصفاته على وجه الخصوص: غرس الإيمان في القلوب، واستثمار هذه المعاني فما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله، وتعظيم الله عز وجل وإجلاله، والتوجه إلى الله بالمحبة والرجاء والخشية والمراقبة؛ لأن الإنسان إذا استشعر معاني صفات الله وأسمائه فلابد أن يقوى بها إيمانه، ويزداد بها يقينه، ولابد أن يراقب الله عز وجل ويخشاه، ولابد أن يثمر ذلك عملاً صالحاً في عبادته وأحواله ومعاملاته وجميع أموره، وأن يصل بإذن الله إلى درجة الإحسان التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فلا يمكن أن تصل إلى درجة كأنك تراه، أو استشعار أنه يراك، حتى تنغرس فيك معاني أسماء الله وصفاته على الوجه الشرعي الصحيح، وبفقه من الكتاب والسنة.

فهذا هو المقصود الأول من دراسة أسماء الله وصفاته، ومن دراسة العقيدة بأكملها، سواء الإيمان بالله، أو بملائكته، أو كتبه، أو رسله، أو اليوم الآخر، أو الإيمان بالشفاعة، ورؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وحقوق الصحابة وغير ذلك من أمور العقيدة.

فكل هذه يجب أن نقصد بها أن نفقهها ونفهمها، وأن يقوى بها إيماننا، وأن نستوعبها علماً وعملاً وسلوكاً، وتعاملاً مع الله عز وجل، ثم مع الخلق.

إذاً هذا هو المقصود من دراسة العقيدة أياً كان نوع هذه الدراسة، قلت أو كثرت، والرد على المخالفين إنما يأتي تبع؛ لأن من انبعث في قلبه هذه المعاني فلابد أن ينكر ما يخالفها، ويعمل بمقتضى قواعد الشرع في الرد، لكن الحاصل أن كثيراً من الذين يطلبون العلم في العقيدة يكون على بالهم استظهار آراء المخالفين، وكيفية الرد عليهم، فينبت له قرون من حديد، وهو إلى الآن ما اشتد عوده، ويناطح الخلق، حتى إن بعضهم يخاصم فيما ليس له وجود أصلاً، فتجده فاتلاً عضلاته لأفكار ومقالات ليس لها وجود على الإطلاق، وإنما قرأها في الكتب وبدأ يناطح غيره، وهذا في الحقيقة سببه الإخلال بهذا المنهج عند كثير من طلاب العلم، فلا تجدهم ينبهون طلابهم على هذا الأمر، وخاصة الصغار المبتدئين الذين امتلئوا إيماناً وحماساً وغيرة من غير انضباط، فهؤلاء يحتاجون إلى أن يعلموا الأصول والمناهج، فيعلمون لماذا يقرءون؟ ولماذا يدرسون العلم الشرعي؟ مع أن كثيراً منهم الآن نشأ على أساس أنه يدرس العلم الشرعي من أجل أن يرد! بينما الرد نتيجة طبيعية للتأصيل على أصول ومناهج، أما أن يكون القصد هو الرد، فهذا يجعل الإنسان يخاصم، ولذلك هذا النوع من الناس تجد عندهم قلة ورع، وقسوة قلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>