[خطأ الاعتماد في النفي على مجرد ادعاء التشبيه فيما ينفى]
قال رحمه الله تعالى:[فالنافي إن اعتمد فيما ينفيه على أن هذا تشبيه، قيل له: إن أردت أنه مماثل له من كل وجه فهذا باطل، وإن أردت أنه مشابه له من وجه دون وجه، أو مشارك له في الاسم لزمك هذا في سائر ما تثبته، وأنتم إنما أقمتم الدليل على إبطال التشبيه والتماثل الذي فسرتموه بأنه يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، ويجب له ما يجب له.
ومعلوم أن إثبات التشبيه بهذا التفسير مما لا يقوله عاقل يتصور ما يقول، فإنه يعلم بضرورة العقل امتناعه، ولا يلزم من نفي هذا نفي التشابه من بعض الوجوه، كما في الأسماء والصفات المتواطئة.
ولكن من الناس من يجعل التشبيه مفسراً بمعنى من المعاني، ثم إن كل من أثبت ذلك قالوا: إنه مشبه.
ومنازعهم يقول: ذلك المعنى ليس من التشبيه].
يذكر الشيخ قضية سائرة بين أهل السنة وخصومهم من أهل الكلام، وهي تشبيه الله بالخلق، وتشبيه صفات الله بصفات الخلق، ويبنون على هذا التشبيه إثبات الصفات نفسها، بمعنى: أنهم يقولون: إثبات الوجه إثبات الاستواء، وهذا تشويه وخطأ، ولذلك سموا كل من أثبت الاستواء، وأثبت الوجه لله عز وجل ونحو ذلك من الصفات، بأنهم مشبهة، وهذا خطأ في تحديد الاصطلاح، إذ إن أهل السنة يقولون: لا يسمى هذا تشبيهاً؛ لأننا نقول: نثبت لله عز وجل الاستواء؛ لأنه أثبته لنفسه، ونثبت لله الوجه؛ لأنه أثبته لنفسه، ونثبت لله اليد؛ لأنه أثبتها لنفسه، لكن على ما يليق بجلال الله عز وجل، فليس الاستواء كالاستواء، ولا الوجه كالوجه، ولا اليد كاليد.
إذاً: المنازع قصد معنى آخر وركب عليه نتيجة خاطئة، وهذه النتيجة هي أن كل إثبات يعد تشبيهاً، لكن نحن نقول: هذا غير صحيح؛ لأن مجرد الاشتراك اللفظي ليس بتشبيه، ومجرد الاشتراك في بعض المعاني بين المشبه والمشبه ليس بتشبيه، والذي يحكم هو الدليل والسياق، ولذا فنقول لهم: أولاً: نحن لسنا الذين وصفنا الله بهذا الشيء، فالله هو الذي وصف نفسه، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أنه لا يجوز تأويل كلام الله عز وجل ما دام يمكن حمله على محامل تقتضيها اللغة والمعاني العامة، ونحن نعرف أن اللغة تقتضي تفسير فعل الله عز وجل بالاستواء ما دام أنه على ما يليق بجلاله، من غير الالتزام بلوازم من عند الخلق، وإلا أصبح كلام الله ملبساً على الخلق، والدليل على هذا أن المؤولة ما اتفقوا على حد أو تعريف التأويل، هل هو اللفظ المنتقل إليه، أو المعنى المنتقل إليه في التأويل؟ فتجد معاني الاستواء عندهم متعددة، ومعاني الوجه متعددة، ومعاني اليد متعددة، بل أحياناً يقولون بحسب السياقات، ونحن نقول: إن اللوازم هي التي تثبت حسب السياقات، فإذا جاء -مثلاً- ذكر اليد لله عز وجل بمعنى الكرم، فلازمها الكرم، وإذا جاءت بمعنى القوة، فلازمها القوة، وإذا جاءت بمعنى العطاء أو الرزق، فلازمها العطاء أو الرزق، ولا شك أننا لا ننكر اللازم، بل هو ضروري، فما جاء من ذكر أسماء الله عز وجل والأفعال والصفات إلا من أجل أن ندرك معانيها، ونتعبد الله بذلك ونعظمه بها، ومن أجل أيضاً أن نستثمر هذه المعاني في قوة الإيمان في القلوب، وفي سلوك الحياة، لكن العدول عن المعاني والحقائق اللائقة بالله عز وجل لمجرد وجود الاشتباه في الألفاظ أمر يعتبر مكراً كباراً، جاء عن طريق الفلاسفة وغلاة المتكلمين.