[أسماء الله وصفاته متفقة في دلالتها على ذات الله متنوعة في معانيها]
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [والله سبحانه أخبرنا أنه عليم قدير، سميع بصير، غفور رحيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته، فنحن نفهم معنى ذلك، ونميّز بين العلم والقدرة، وبين الرحمة والسمع والبصر، ونعلم أن الأسماء كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله، مع تنوع معانيها، فهي متفقة متواطئة من حيث الذات، متباينة من جهة الصفات].
أي: أن جميعها تدل على موصوف واحد، لكنها صفات متعددة في المعاني، وهذا أمر مقرر شرعاً وعقلاً وعرفاً، والشيخ قال هذا لأن هناك ممن تأثروا بالفلسفة والفلاسفة واتجاهات العقلانية وغيرها من اعتبروا صفات الله عز وجل معاني مترادفة، ليس بينها اختلاف في الدلالات، وهذا كله هروب من إثبات الذات لله عز وجل.
إذاً: كل أسماء الله عز وجل تدل في دلالاتها على ذات الله سبحانه، فتدل على الحقيقة، لكن كل لفظ منها يدل على معنى ينفرد به من وجه، ويتفق به مع الآخر من وجه آخر.
قال رحمه الله تعالى: [وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: محمد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب.
وكذلك أسماء القرآن، مثل: القرآن، والفرقان، والهدى، والنور، والتنزيل، والشفاء وغير ذلك].
إن النبي صلى الله عليه وسلم واحد، وهو محمد، أو أحمد، أو الماحي، أو الحاشر، أو العاقب كلها صفات تدل على واحد، لكن لكل لفظ معنى ينفرد به، فمحمد هو الذي حمده الله ويحمده الناس، وكذلك أحمد، والماحي هو الذي يمحو الله به الباطل، والحاشر هو الذي يحشر الله الناس على عقبيه، وكذلك العاقب الذي هو آخر الأنبياء، وليس بعده نبي، فهي صفات متعددة المعاني، لكن دلالاتها على واحد، وكذلك بالنسبة لله عز وجل، فصفاته سبحانه متعددة المعاني، لكن دلالاتها تدل على ذات الله سبحانه.
قال رحمه الله تعالى: [ومثل هذه الأسماء تنازع الناس فيها، هل هي من قبيل المترادفة لاتحاد الذات، أو من قبيل المتباينة لتعدد الصفات؟ كما إذا قيل: السيف، والصارم، والمهند، وقصد بالصارم معنى الصرم، وفي المهند النسبة إلى الهند، والتحقيق أنها مترادفة في الذات، متباينة في الصفات].
نعود إلى المقطع السابق فنقول: إن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كلها مترادفة إذا نظرنا أنه يوصف بها ذاته عليه الصلاة والسلام، وإذا نظرنا إلى إطلاقاتها من حيث إنها تدل على معان هي أوصاف للنبي صلى الله عليه وسلم فهي متعددة، ولذلك لا تناقض بين الرأيين، وهذا مما يسهّل الفقرة التي سنقرؤها بعد قليل، كما أن هذا يذكّرنا بأمور كثيرة في الشرع وفي لغة العرب وفي غيرها قد اختلف عليها الناس، فنجد أن أغلب ما يختلف عليه المختلفون في تفسير ألفاظ الشرع أو معانيها أو استنتاجاتها يرجع إلى أنهم لم يتفقوا على المعنى المختلف عليه، فكل واحد في ذهنه عن المعنى المختلف عليه غير ما في ذهن الآخر، فتجد هذا كلامه صحيحاً من وجه وخطأ من وجه، وهذا كلامه صحيحاً من وجه وخطأ من وجه، لاسيما في باب الأسماء والصفات وألفاظ العقيدة، فنجد فيها اشتباهاً كثيراً على الناس، لا سيما في الفرعيات لا في الأصول، واختلافات حتى بين أهل السنة والجماعة في المسائل الجزئية المتفرعة عن العقيدة، ونجد أن أغلب الخلاف راجع إلى أن كل واحد في ذهنه على المختلف عليه غير ما في ذهن الآخر، وكل واحد ينطلق من فهمه ومن تصوره، والتصورات مختلفة، وهذا يشمل كثيراً من القضايا الكبيرة التي يختلف عليها المنتسبون للسنة الآن، ويرجع ذلك إلى أنهم لم يحرروا في أذهانهم مسائل الخلاف، ولو أنهم اتفقوا على عين القضية لخفّت قوة الخلاف بين المختلفين، مثل: مسألة العذر بالجهل، ومسألة الحجة وبلوغها وفهمها، ومثل: قضايا الدعوة، ووسائل الدعوة، ومناهج الدعوة وغيرها من القضايا الكثيرة التي أجد أن أكثر الخلاف فيها بين المختلفين من أهل السنة ومن طلاب العلم ومشايخ هذا الوقت راجع إلى أن كل واحد منهم عنده تصور في الحقيقة المختلف فيها غير تصور الآخر، ولو أنهم وحدوا التصور والمفهوم لقلّت مساحة الخلاف.
ثم ذكر أيضاً أسماء السيف، وأسماء السيف إذا نظرنا إليها من حيث إنها دلالات على السيف نفسه، فهي مترادفة، وإذا نظرنا إلى أنها إطلاقات على أوصاف السيف من حيث قوته، ومن حيث جماله، ومن حيث حدّته إلى آخر ذلك، نجد أنها من باب غير المترادف.