[دلالة قوله تعالى:(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) على التفريق بين منهج أهل السنة في الاستدلال والتلقي وبين منهج أهل الأهواء في العقيدة وغيرها]
هذه الآية ترسم لنا قاعدة عظيمة في الدين، وهي من الآيات الفاصلة بين منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والتلقي، وبين مناهج أهل الأهواء والبدع، فإن آيات الله محكمة كلها من حيث اشتمالها على الحق، لكن هذا الإحكام قد يخفى على صاحب البدعة والهوى، وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك تقسيم من حيث الإحكام والتشابه للآيات، وهو أن هناك آيات بيّنة معانيها لعموم الناس، وهناك آيات لا يتبين معانيها إلا لبعض الناس، وهم العلماء كما سيأتي بيان ذلك، وهذه تكون من المتشابه على من لم تتبين له، هذا جانب، والجانب الآخر: أن كل هذه الآيات المحكمة قد يكون بعض معانيها متشابهاً، فمثلاً: آيات الأسماء والصفات محكمة، لكن كيفياتها من المتشابه الذي يجب على المسلم ألا يخوض فيها، ولذلك الإحكام والتشابه في القرآن على نوعين: الأول: أن القرآن كله محكم، أي: أنه حق بيّن لا لبس فيه، وكله متشابه، أي: أنه يشبه بعضه بعضاً، ويصدّق بعضه بعضاً، فهو من التشابه لا من الاشتباه.
الثاني: ينقسم القرآن إلى محكم من حيث إنه بين واضح، وإلى متشابه من حيث إنه غير بيّن ولا واضح، إما لعموم الخلق وهو الكيفيات، وإما لبعض الخلق وهو الذي لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، فيتشابه على غير الراسخين في العلم، ولذلك سيأتي بيان معنى الآية، والفرق بين الوقف على قوله عز وجل:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران:٧]، وبين عدم الوقف، وكله صحيح، فهذه لها معنى وتلك لها معنى.