للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على حديث: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وأمثاله]

قال رحمه الله تعالى: [وقوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن).

فقالوا: قد علم أن ليس في قلوبنا أصابع الحق.

فيقال لهم: لو أعطيتم النصوص حقها من الدلالة لعلمتم أنها لم تدل إلا على حق.

أما الواحد فقوله: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه) صريح في أن الحجر الأسود ليس هو صفة لله ولا هو نفس يمينه؛ لأنه قال: (يمين الله في الأرض)، وقال: (فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه)، ومعلوم أن المشبه غير المشبه به].

لا يقصد بيمين الله ما يقصد بها على المعنى الآخر الذي جاء في سياق أمر غيبي بحت؛ لأن الأمر تعلق بشيء عن الحجر الذي نراه ونشاهده من عالم الشهادة، ولأن الحجر في الأرض، والله عز وجل علي على عرشه، وهو بذاته ليس في الأرض، وعليه فينتفي كونه يقصد بذلك صفة اليد؛ لأن الخبر قد جاء عن أمر معهود نراه ونشاهده، وصفات الله لا نراها ولا نشاهدها، ولا نعلم كيفيتها، وهكذا بقية النصوص، كحديث الهرولة جاء مربوطاً بأفعال الخلق وأوصاف الخلق.

إذاً: لا يعني هذا أن المقصود به صفة الله عز وجل التي هي متعلقة بذاته، وإنما المقصود به تقريب الأمر للأذهان، ولوازمه القريبة منه التي تفهم من النص.

ولذلك أي نص يتعلق بأفعال الله عز وجل يرتبط بأفعال الناس لابد أن يقيد بهذا الارتباط، كما لا ينبغي أن نفرد صفة المكر لله عز وجل دون إيراد سياقها، أنه يمكر بالماكرين، ويمكر بالكافرين والمنافقين، وكذلك الاستهزاء لابد أن يرتبط في أذهاننا، أي: ليس الاستهزاء صفة منفصلة عن لازمها في مثل هذا السياق، وإنما نقول: إن الله عز وجل يستهزئ بالكفار وبالمنافقين، ويستهزئ بالمستهزئين، فلابد أن يرتبط هذا بأذهاننا؛ لأنه جاء الأمر على قبيل المجازاة والمشاكلة، أو على قبيل الارتباط، أي: ارتباط الوصف بمخلوق، مثل: الحجر.

فإذا كان الأمر كذلك لم يعد يحتاج إلى أن يكون كالصفات الغيبية البحتة، ولا أن يتأول تأولاً بعيداً؛ لأن أي نص جاء فيه خبر عن الله عز وجل مرتبط بعالم الشهادة إلا وتأويله في سياقه، ولذلك لا يسمى تأويلاً، وإنما يسمى تفسيراً، وعليه فنحن فسرنا النص بسياقه الموجود في ضمنه.

قال رحمه الله: [ومعلوم أن المشبه ليس هو المشبه به، ففي نفس الحديث بيان أن مستلمه ليس مصافحاً لله، وأنه ليس هو نفس يمينه، فكيف يجعل ظاهره كفراً؛ لأنه محتاج إلى التأويل، مع أن هذا الحديث إنما يعرف عن ابن عباس].

ليت الشيخ بين أنه موقوف على ابن عباس قبل أن يفصل فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>