للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تصحيح عبارة: (كما جعلوا التكذيب بالقدر ليس مما ينفيه العقل)]

قوله: (كما جعلوا التكذيب بالقدر ليس مما ينفيه العقل) كما ذكر ذلك المحقق، والصحيح والأقرب في العبارة: مما يقتضيه العقل.

أي: يجعلون التكذيب بالقدر مما يقتضيه العقل لا مما ينفيه، مع أننا نقول: التكذيب بالقدر ينفيه العقل، لكن ليس هذا قول المخالفين، فالشيخ يحكي قول المخالفين، والمخالفون يقولون: إن العقل ينفي بعض أصول القدر، ولذلك أنكروا في البداية مراتب القدر كلها، ثم لما رأوا شناعة الأمر صاروا ينفون المشيئة، أو ينفون الخلق في بعض أفعال المخلوقين، وزعموا أن ما يفعله الإنسان من الشر ليس بتقدير الله، وقالوا: لا يعقل عقلاً أن الله يخلق، أو يقرر، أو يشاء عملاً يعمله الكافر ثم يحاسبه عليه، وزعموا أن هذا ظلم، فكذبوا بالقدر بدعوى أن العقل هو الذي يكذب القدر، وما عرفوا أن لله في ذلك حكمة، وأن الله عز وجل قال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥]، وأن من أصول القدر الإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل، وكون الشر قدره الله ابتلاء وفتنة، ومع ذلك فإن الله عز وجل أقام الحجة على الخلق، وليس بظلام للعبيد، فالإنسان الذي يسلك مسلك الشر والكفر، إنما سلكه بإرادته التي امتحن بها، وليس بالجبر، ولو كان مجبوراً ما عذب، بل إن الله عز وجل بين طريق الخير عن طريق إنزال الكتب وإرسال الأنبياء، وأمر به، وسهل العمل به، ويسره، ووعد بالأجر لمن سلكه، وبين طريق الشر، فحذر منه، وأقدر العباد عليه ابتلاء وفتنة، ثم أنذر وتوعد، ولذلك الإنسان إذا فقد شيئاً من هذه الضوابط لا يحاسب، فإذا فقد العقل لا يحاسب، وإذا مات دون أن تبلغه النبوة لا يحاسب إلا امتحاناً آخر يمتحنه الله به يوم القيامة، وعليه فإذا ما قامت عليه الحجة فالله يتولاه؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد.

إذاً: الأمر مبني على أنهم يكذبون ببعض القدر، زعماً منهم أنه ينافي المعقول إلى آخره.

<<  <  ج: ص:  >  >>