قال رحمه الله تعالى:[وكذلك أيضاً يقولون: إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز، والأجسام متماثلة، فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلاً لسائر الأجسام، وهذا هو التشبيه].
هذا الكلام ليس على إطلاقه، بمعنى: أنه لا يسلم لهم، لكن يصطادون الأغرار، فقولهم:(إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز) قد يكون صحيحاً في الجملة، لكن عند التفصيل قد نستثني أشياء، وقد نزيد أحكاماً وضوابط، وقد ننقص هذا من جانب، وهذا من جانب آخر.
وقولهم:(والأجسام متماثلة) لا يسلم لهم هذا الإطلاق؛ لأنه لا يلزم أن تكون الأجسام متماثلة من كل وجه، فالتماثل نسبي، لكن ومع ذلك ففي الجملة أن الغالب في الأجسام التماثل، ولذلك جاء في القرآن نفي المماثلة ولم يأت نفي المشابهة؛ لأن المماثلة أدق وأخص من المشابهة، والمشابهة أعم؛ لأن المماثلة غالباً تشمل الحقائق الحدية، بينما المشابهة تشمل الحقائق والمعاني والتصورات، بل وحتى الخيالات، فالتشابه أعم من التماثل، والتماثل أخص، ولذا أقول: ومع ذلك لا يسلم لهم بأن جميع الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز؛ لأن معنى التحيز: المخلوقات، إذ إنها متحيزة، لكن الخالق عز وجل كيف يقال: إنه متحيز إن كان بمعنى أنه مفاصل لمخلوقاته، وليس مخالطاً لها، وليس حالاً فيها؟! لكن ومع ذلك الوصف المتحيز، والوصف المتحد يحمل معاني حق ومعاني باطلة، معاني كمال ومعاني نقص، والباطل والنقص منفي عن الله عز وجل، ولذلك تعتبر كلمة (متحيز) من الألفاظ المبتدعة، وعليه فلا يسلم هذا الكلام على إطلاقه، وإنما يسلم على عمومه، ومع ذلك لا يقال: إنه حق بإطلاق.
وكذلك يقال: الأجسام متماثلة، وهذا حكم غالب على الأجسام التي هي المخلوقات، لكن لماذا نقلتم هذا الحكم إلى الخالق؟! هذا الخالق الذي ليس كمثله شيء.
إذاً: هم يصطادون الأغرار الذين ليس عندهم قاعدة ولا موازين شرعية وعقلية سليمة، فيسلم لهم المستمع الذي ما عرف وجه اللبس في هذه الأمور، فيظن أن هذا ميزان، ثم يجرونه إلى أن إثبات الصفات لله عز وجل مماثلة، والله ليس كمثله شيء، ونحن نقول: ليس إثبات الصفات التي وردت في الكتاب والسنة مماثلة أبداً، لكن قد تعني المشابهة في المعاني العامة، والمشابهة في المعاني العامة لا تعني التشابه المطابق أو التشابه التمثيلي.