للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم إثبات النبوة بالدلائل العقلية فقط]

قالوا: إنه لا يمكن إثبات النبوة بدون ذلك.

بمعنى: أنهم يزعمون أن النبوة لا تثبت إلا بالدلائل العقلية، وأن هذا هو الدليل الوحيد، بينما أهل السنة والجماعة يقولون: نعم الدلائل العقلية والفطرية تدل على النبوة، وأكثر عقلاء العالم استدلوا على نبوات الأنبياء بأدلة عقلية، وكذلك كثير من العرب ومن عقلاء العجم استدلوا على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بأدلة عقلية، لكن هل الأدلة العقلية هي الوحيدة؟ لا، فهناك قرائن الأحوال، مع أن مرد قرائن الأحوال النظرة العقلية، لكن مع ذلك فإن قرائن الأحوال أحياناً تأسر الإنسان، ولو لم يكن عنده تفكير عميق، ولو لم يكن ذكياً، ولو لم يستعمل عقله استعمالاً آلياً كما عند العقلاء، بمعنى: أن الله عز وجل فطر النبي صلى الله عليه وسلم وجبله على محاسن الأخلاق، والبعد عن الرذائل، وجبله على القيام بأمور وتصرفات وأعمال -من أقواله وأفعاله وأحواله- تدل على نبوته بدون استدلالات عقلية، وكثير من الذين أسلموا استدلوا على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بقرائن الأحوال، يعني: مجمل ما كان عليه أحواله في سيرته مع الناس، وفي سيرته مع ربه عز وجل، وما يلاحظون من تصرفاته في مواقفه تجاه الأحداث والأشياء، فهذه حاله التي كان عليها، وهي تسمى قرائن الأحوال التي دلت على نبوته، وأيضاً ليست الأدلة العقلية فقط هي التي تدل على نبوته، بل هناك براهين عقلية أخرى جاء بها الله عز وجل بناء على إقامة الحجة على الكفار، أو بناء على طلبهم، فلم تنفع؛ لأنها عقلية لا ينفك منها العقل أبداً، فتأسر العقل أسراً، مثل: انشقاق القمر، فقد جاءت بطلب من المشركين، ولما انشق القمر لم يسلموا، فهل هذا صار دليلاً لهم على نبوته؟ وهل أفادهم هذا الدليل؟ إذاً: فالنبوة دلالاتها ليست مقتصرة على الدلالات العقلية، بل أغلب الدلالات العقلية من الآيات الكبرى والمعجزات لم تنفع في المعاندين، ونفعت قرائن الأحوال التي هي سلوكيات التعامل ومنهج حياة، ومواقفه وسيرته عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>