للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسماء الله وصفاته لا اجتهاد فيها ولا تدخل في المشتبهات]

السؤال

هل مسائل الأسماء والصفات من المتشابه التي لا يعلمها كثير من الناس؟ وهل اختلاف الناس فيها يعتبر من الاجتهاد، فالمخطئ له أجر والمصيب له أجران؟

الجواب

أولاً: ليست مسائل الأسماء والصفات من المتشابه، بل هي من المحكم، سواء في أدلتها أو في مفرداتها، ولا يجوز أن نقول: إنها من المتشابه، لكن هناك أمر لم نتعبد الله به، وهو من المتشابه، وليس مطلوباً من المسلم، بل لا يجوز الخوض فيه: وهو كيفيات الغيبيات، أعني: كيفيات أسماء الله وصفاته وأفعاله، فالدخول فيها من الزيغ الذي نهى الله عنه في قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧]، فالسعي إلى تأويل الكيفيات هو من المتشابه، وضرب الآيات بعضها ببعض، وعدم التسليم لله عز وجل فيما أخبر، وعدم تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عن ربه، كل ذلك من المتشابه الذي لا يجوز للإنسان أن يخوض فيه، وأما في حقيقة الأمر فليس في أسماء الله وصفاته لا في حقائقها ولا في أدلتها تشابه، وليست أدلة الأسماء والصفات من المتشابه.

وأما اختلاف الناس حول بعض مسائل الأسماء والصفات، فأولاً: يجب أن نفهم أن الأصول والثوابت في أسماء الله وصفاته ليست محل خلاف، فكل ما ورد في الأدلة الصحيحة الصريحة، وما اتفق عليه سلف الأمة فيما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، في مفرداتها وقواعدها، ليس محل اجتهاد؛ لأنه من القطعيات، لكن هناك بعض المسائل قد اختلف فيها، إما لعدم صحة الأدلة، بألا تكون الأدلة قطعية، أو لأن دلالات الأدلة فيها تكون فيها وجوه تختلف عن هذه الوجوه، والاختلاف ليس راجعاً إلى أسماء الله وصفاته، وإنما راجع إلى فهم الناس لهذه الأدلة، وهذا ليس في الثوابت والقطعيات، وإنما في مسائل تفرعت عن العقيدة.

فمثلاً: الاستواء أدلته قطعية، وهي حقائق ودلالاتها قطعية، لكن بعض لوازم الاستواء استوحيت من بعض الأدلة، وهذه محل خلاف، ونحن قد نهينا عن الخوض فيها، وإذا خاض فيها بعض العلماء الكبار فإنما خاضوا فيها من باب الاجتهاد في البيان، إذ هذه الأمور قد يكون عليها اجتهاد، وقد يكون المجتهد فيها إذا قصد الوصول إلى الحق مأجوراً، مثال ذلك: مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه عندما عرج به إلى السماء، ورؤية الناس لربهم في أرض المحشر، غير رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، هل هي عينية أو قلبية؟ وإذا كانت عينية هل هي على ما هو معهود أو على غير ذلك؟ كل ذلك محل خلاف، وهذا الاجتهاد فيه من العالم إنما هو للبيان للأمة، والمجتهد ما دام أنه اجتهد وأراد أن يتوصل للحق فهو مأجور.

<<  <  ج: ص:  >  >>