قال رحمه الله تعالى: [ومعلوم أن أحداً من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان والمسيح ابن مريم شاركوا الله في خلق السماوات والأرض، بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهاً مساوياً لله في جميع صفاته، بل عامة المشركين بالله مقرون بأنه ليس شريكه مثله، بل عامتهم يقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكاً أو نبياً أو كوكباً أو صنماً، كما كان مشركو العرب يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فقال:(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والآراء والديانات، فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات، ولا مماثل له في جميع الصفات، بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن النور خلق الخير, والظلمة خلقت الشر، ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين: أحدهما: أنها محدثة، فتكون من جملة المخلوقات له.
والثاني: أنها قديمة، لكنها لم تفعل إلا الشر، فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور].
هذه كلها مقالات للمجوس وبعض الديانات الشرقية، وهي مقالات لا تعني أنهم يعتقدون التساوي بين ربين أو بين إلهين، وهذه يبدو لي أنها من الحقائق البدهية، فلا أحد حتى الذين قد لا يتعمقون في التفلسف في عبادة غير الله عز وجل، يعني: المشركين الخلص الذين انبنت شركياتهم على مناهج وأديان تتبع هؤلاء عندهم تفلسف واضح، وعندهم أصول وقواعد للشرك، لكن حتى الأمم التي تشرك عن سذاجة، ككثير من الشعوب في آسيا وإفريقيا وغيرها لا تعتقد أن ما تعبده يساوي الله الخالق الأكبر الأعظم، بل لا تتصوره أصلاً؛ لأنه لا يتصور عند التحقق والتفكير -سواء كان تفكيراً سطحياً أو عميقاً- أن أحداً يعتقد أو يمكن أن يعتقد بتساوي إلهين أو ربين، وإن وجد هذا في بعض جوانب الإلهية فلا يمكن أن يوجد في بعض جوانب الربوبية، أعني: أن التساوي في العبادة قد يوجد عند بعض المشركين، لكن في الربوبية لا، وهذه حقيقة ينبني عليها أو يتفرع عنها كلام سيقوله شيخ الإسلام في بقية الفقرات التالية.