[بواعث أهل الأهواء والبدع لإثارة السؤال عن كيفيات الصفات]
قال رحمه الله:[فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟].
وقبل أن يرد الشيخ على هذا القول أحب أن أنبه إلى أنه باستقراء آراء أهل البدع والأهواء والافتراء، سواء منهم الغلاة الملحدة، مثل: الفلاسفة والباطنية، أو من دونهم من المعطّلة الذين انتسبوا إلى الإسلام، أو من دونهم من المؤولة، كل هؤلاء يوردون هذا السؤال، لكن إيراده منهم هو على وجوه كثيرة، وأهم البواعث لإيراد هذا السؤال -حسب الاستقراء- في نظري ثلاثة بواعث: الأول: أن يكون هذا السؤال من المشبهة المجسمة، وخاصة الرافضة الأوائل، فقد كانوا مشبهة، فيقولون: لا بد أن يكون الاستواء كاستواء المخلوق -تعالى الله عما يزعمون- وإلا فكيف استوى؟! وهذا السؤال بدعي لا يجوز بحال، لكنه غالباً ينشأ من أهل الباعث الأول، أي: من أهل التشبيه.
الثاني: أن يكون السائل من أهل التأويل والتعطيل، كالجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم، وهؤلاء ينشرون هذا السؤال من أجل إنكار الصفة، يعني: أن غايتهم عكس الأولين، ولذلك إذا أرادوا أن يحرجوا المثبت ويجرّوه إلى التأويل -إذا كان جاهلاً- قالوا له: كيف استوى؟ فإذا فسّر الاستواء، قالوا: إذاً أنت شبّهت؛ حتى يلزموه بالتأويل أو التعطيل، وعلى ذلك كان أول ما نشأ السؤال على وجه واسع من المعطّلة بعد المشبّهة.
الثالث: إثارة هذه الأمور عند من لم يفقه العقيدة، ومنشأ ذلك: الجهل والشك والريب، سواء من السائل أو ممن أثيرت عنده هذه المسائل فاضطر أن يسأل، ولذلك نجد أن الذين يسألون هذه الأسئلة إما متعالم مغرور من أصحاب الفلسفة والتجهّم وأهل الكلام، وإما من جاهل لا يعرف كيف يثبت، فينشأ عنده السؤال عن إشكال.
إذاً: البواعث عندنا كثيرة، لكن أهمها التشبيه، ثم أهل التعطيل والتأويل يثيرون هذا السؤال من أجل إلزام الناس بالتشبيه، ثم بالتأويل والتعطيل، أو يكون من جاهل أو شاك، أو نحو ذلك ممن يخوضون في هذه المسائل على غير وجه شرعي.