للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تلازم الإيمان بالرسل وكفر من بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقر بها]

قال رحمه الله تعالى: [وجعل الإيمان بهم متلازماً، وكفَّر من قال: إنه آمن ببعض وكفر ببعض، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء:١٥٠ - ١٥١]، وقال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:٨٥]، وقد قال لنا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٣٦ - ١٣٧]، فأمرنا أن نقول: آمنا بهذا كله ونحن له مسلمون، فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلماً ولا مؤمناً، بل يكون كافراً، وإن زعم أنه مسلم أو مؤمن].

هذه القاعدة قاعدة في كل أصول الدين وثوابته وقطعياته، فهي قاعدة في أركان الإيمان وأركان الإسلام، وفي أصول الغيبيات الأخرى، وفي الأحكام القطعية، أعني: أن قاعدة التسليم لابد أن تكون مطردة، وأن من اختل تسليمه في مسألة من المسائل التي تطرد في قاعدة واحدة فقد هدم دينه، فمثلاً: أول أركان الإيمان: الإيمان بالله عز وجل، فمن أنكر اسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته لا على سبيل التأويل، فإنه بذلك يكون قد وقع في الكفر، وهكذا فيما يتعلق بالإيمان بالملائكة، والإيمان بالرسل.

وكما قرر الشيخ أن من أنكر رسالة رسول أو نبوة نبي واحد فقد كفر كفراً مطلقاً مخرجاً من الملة، وكأنه كفر بالجميع، لأن تكذيب واحد منهم يعتبر تكذيباً للكل، ثم كذلك بقية أركان الإيمان بالرسل، أو الإيمان باليوم الآخر، فمن أنكر شيئاً من ثوابت اليوم الآخر، حتى وإن كان جزئياً، فكأنه ما آمن باليوم الآخر، بل انتقض إيمانه بالدين كله، وكذلك الثوابت العملية الأخرى، فلو أن أحداً ادعى أنه يسعه أن ينكر ركناً من أركان الإسلام أو يؤوله، وهذه فتنة موجودة، ولا تظنونها مجرد افتراضات، فهي فتنة موجودة عند غلاة الفرق إلى يومنا هذا، فتجد من يدعي أن أركان الإسلام مجرد أمور قلبية، فالصلاة صلة الإنسان بربه، والزكاة أن يكون الإنسان عنده أخلاق عالية، والصيام الكف عن الآثام والأخلاق الرذيلة، وأعرف من المذاهب الحديثة في هذا العدد الكبير، وهي قائمة الآن على فئام من الناس ممن ينتسبون إلى الإسلام، فينكرون قواطع الدين من أركان الإسلام فضلاً عن أركان الإيمان؛ لأن عندهم شكوكاً أيضاً في أركان الإيمان، وعلى سبيل المثال: توجد طائفة خرجت قبل أكثر من عشرين سنة تزعمها رجل يقال له: محمود طه، وهو سوداني الأصل، فقد أول أركان الإسلام، وادعى أن الإسلام إسلامان: إسلام جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إسلام البادية والأرياف، وهذا قد انتهى، وإسلام جديد، وهو إسلامه الذي يدعيه، فقد ألغى أركان الإسلام، وألغى اعتبارها وأولها بهذه التأويلات، وقد أقيمت عليه الحجة واستتيب ولم يتب، فقتل نسأل الله العافية، وأمثال هذا كثير من الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وليس هذا خاصاً بالأنبياء، بل كل ثوابت الدين، كإنكار الشفاعة، وإنكار الرؤية، وإنكار أشراط الساعة، بل أحياناً قد يقع اللبس عند بعض الذين ينتسبون للعلم، فمثلاً: ممن فتن بمثل هذه الفتنة، وممن ينتسبون للعلم، أن رجلاً أنكر أن يكون هناك شيء اسمه المهدي، بدعوى أن المهدي أصبح خرافة، وأصبح كل من عنده غلو أو عنده نوع من الانحراف والبدعة تعلق بمهدي ما، فهذا أنكر قطعيات الدين، وإنكاره يعود إلى إنكار الرسالة؛ لأنه من الذي أخبر بالأخبار الصحاح عن وجود المهدي؟ أليس النبي عليه الصلاة والسلام؟ بلى، بصرف النظر عن خرافات الرافضة والفرق، فنحن لا نعني بـ المهدي الخرافة التي يعتقد بها الخرافيون، وإنما نعني بـ المهدي الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات الصحيحة الثابتة، فمن أنكره فقد أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وهذا أيضاً يعود على إنكار النبوة.

وأعود فأقول: إنني كنت ممن عاصر فتنة محمود طه، فقد زرت السودان في ذاك الوقت، فوجدت أن أغل

<<  <  ج: ص:  >  >>