قال رحمه الله تعالى:[فمثبتة الصفات كالحياة، والعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر].
هؤلاء متكلمة الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون هذه الصفات، بل وبعضهم قد يزيد، وهذا دليل الخذلان في مثل هذه الأمور، أعني: خذلان المنهج لا الأفراد، فالأفراد قد يكون فيهم من عنده اجتهاد يؤجر عليه، لكنه أخطأ، لكن خذلان المنهج يعني: اضطراب المنهج، ففي الوقت الذي يثبتون فيه هذه السبع الصفات مثل: الماتريدية وينفون ما ثبت من الصفات الأخرى في القرآن والسنة، أتوا بصفة من عندهم اسمها (التكوين)، فصارت ثماني صفات، فنقول لهم: من أين أتيتم بهذه الصفة؟! فأنتم الآن نفيتم ما ثبت لله عز وجل، وأتيتم لنا بصفة لا أصل لها، ولذلك الماتريدية يثبتون ثماني صفات، والأشاعرة يثبتون سبع صفات، وهي الحياة، والعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر، والإرادة، وقد جاء في بعض المقابلات التلفزيونية التي أشكلت على كثير من طلاب العلم في الآونة الأخيرة، من أن بعض المشايخ يقول: إن الأشاعرة يثبتون عشرين صفة أو أكثر، وحتى الماتريدية يتفاوتون، فمنهم من يثبت أكثر من ثمان، فيثبت ثلاث عشرة صفة، أو عشرين، أو اثنتين وعشرين، ومنهم من يثبت عموم الصفات وهو من الأشاعرة الماتريدية، لكن يتأول بعضها، وخاصة الصفات الفعلية، لذا فالكلام إنما هو على المنهج العام لا على حال الأفراد أو بعض المدارس أو الاتجاهات، فليس كل الأشاعرة لا يثبتون إلا هذه الصفات، وليس كل الماتريدية لا يثبتون إلا هذه الصفات.
قال رحمه الله تعالى:[فمثبتة الصفات كالحياة، والعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر، إذا قالت لهم النفاة كالمعتزلة: هذا تجسيم؛ لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بالجسم، أو لأنا لا نعرف موصوفاً بالصفات إلا جسماً.
قالت لهم المثبتة: وأنتم قد قلتم: إنه حي عليم قدير، وقلتم: ليس بجسم، وأنتم لا تعلمون موجوداً حياً عالماً قادراً إلا جسماً، فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم، فكذلك نحن.
وقالوا لهم: أنتم أثبتم حياً عالماً قادراً، بلا حياة ولا علم ولا قدرة، وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل].
إن غالب من يقعون في هذه الأمور المعضلة هم أناس يظنون أن هذا من تعظيم الله عز وجل وتنزيهه، فعوّلوا على عقولهم وتشرّبوا مذاهب الفلاسفة، وظنوا أن فيها شيئاً من أصول التنزيه، واغتروا بذكائهم فوقعوا فيما وقعوا فيه، ولو سلّموا لله عز وجل، وسلّموا لكتابه، ولما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم، والتزموا سبيل المؤمنين، وفوّضوا علم ما لم يعلموه إلى عالمه سبحانه، وهذا ما يجب أن يكون عند الوقوع في مثل هذه المعضلات، لكان خيراً لهم، لذا فكيف يجرؤ إنسان أن يقول: إن الله حي بلا حياة، أو عليم بلا علم، أو سميع بلا سمع، أو قدير بلا قدرة؟! فهو كمن بنى ثم هدم ما بنى، ولذلك الشيخ يناقشهم أحياناً بالبدهيات فيقول: هذا تناقض يُعلم بضرورة العقل، فلا يُعقل أن يكون عليماً بلا علم، لكن الحاصل أنهم التزموها لأنهم إذا أثبتوا العلم أثبتوا تعدد الصفات، وإثبات الصفة وتعدد الصفات لابد أن يكون دليلاً على موصوف له وجود حقيقي ذاتي، لكنهم يهربون من الوجود الحقيقي الذاتي، فيثبتون معاني فقط، لكن إذا انتقلت هذه المعاني إلى صفات، فلابد أن تكون الصفات دليلاً على موصوف، والأفعال لا بد أن تكون خارجة من فاعل، وهذا يدل على ثبوت وجود حقيقي ذاتي لله عز وجل، لكن ما ذكرت فهم يهربون من ذلك، وسبق أن ذكرت أن معضلة هؤلاء كلهم ابتداء من الفلاسفة، ثم من دونهم من المتكلمين، ثم من دونهم ممن وقع في التأويل: أنهم لا يثبتون لله وجوداً حقيقياً ذاتياً، فيرون وجود الله وجوداً معنوياً اعتبارياً، ولذلك قالوا: الاستواء هو الاستيلاء، والنزول هو نزول الرحمة، وفي سائر الصفات وخاصة الفعلية اضطروا للتأويل، فقالوا: العلو علو القدر؛ لأنهم إذا قالوا: علو ذاتي، لزمهم أن يثبتوا الاستواء، ولزمهم أن يثبتوا لله وجوداً يستحق به العلو الذاتي، فهم لا يريدون أن يثبتوا لله في أذهانهم ولا في عقائدهم، وهذا نزعة فلسفية، فالفلاسفة كلهم على مختلف مناهجهم يمكن أن نجمع مذهبهم وفلسفتهم في وجود الله على أن وجود الله مجرد وجود معنوي، أو وجود قوة تسيّر الكون، وهذه القوة قوة معنوية ليست ذاتية، فلذلك صرفوا عنه الأسماء والصفات، أو صرفوا عنه الصفات، أو صرفوا عنه الصفات الفعلية، وكل أخذ من هذا الباطل بقدر، ولذلك الذي لا يعتقد لله وجوداً ذاتياً لا يستطيع أن يثبت الاستواء ولا العلو ولا النزول ولا المجيء، ولا أن يثبت بقية الصفات الفعلية؛ كالكلام وغيره؛ لأنه لا يرى أن لله وجوداً ذاتياً، ومن هنا نجد كما ذكر علماء السلف، بل ووجدنا هذا في الدروس المعاصرة، أن الذين تشرّبوا هذه العقيدة وفقهوها -وهم قلة- لا يطيق سماع الأحاديث التي تُثبت الصفات، بل قد يخرج من الدرس ويكاد أن يمزّق ثيابه؛ لأنه يظن أن هذا تجسيم، لذا فهؤلاء خلطوا بين هذا وذاك، ونحن نقول: الله عز وجل له وجود يليق بجلاله، وليس وجوده الذاتي يعني ضرورة التجسيم أو التشبيه