للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٢ - التجريب]

لغة: تفعيل من التجربة.

واصطلاحاً: التجريب مستمد من التجربة، والتجربة هنا هى الملاحظة المحدثة لتحقيق فرضية ما والإيحاء بفكرة ما، وهى بهذا المعنى مرادفة للتجريب، والتجربة فى هذه الحالة تحدث وفق ظروف معينة يهيئها المجرب بنفسه، وغايته من ذلك الوصول إلى قانون يعلل به حوادث الطبيعة.

والتجريب مذهب يقول إن الخبرة مصدر المعرفة وليس العقل، واستخدم هذا المنهج فى العلم والفلسفة، وكانت الفلسفة التجريبية نقيضا للفلسفة العقلية.

والتجريبية اسم يطلق على جميع المذاهب الفلسفية التى تنكر وجود مبادئ عقلية فطرية قبل التجربة ومتميزة عنها.

أما المذهب العقلى، وهو المناقض للمذهب التجريبى، فيرى أن العقل أو النفس تشتمل على مبادئ فطرية هى أساس المعرفة، وأن العقل يشتمل على مبادئ خاصة به مختلفة عن الأشياء.

وقد رفض أصحاب المذهب التجريبى هذا التصور، واعتقدوا أن كل معرفة إنسانية إنما تبدأ بمعرفة حسية، أى باستخدام الحواس، وتحصل على أفكار وتصورات تجريبية، إذ إن العقل عندهم صفحة بيضاء تخط فيها التجربة ما يأتى من الحواس، فتتم المعرفة وتكون المعرفة حينئذ معرفة مكتسبة بعد التجربة والتجريب.

ويرجع هذا الموقف التجريبى إلى بعض مدارس الفكر اليونانى القديم، كما ظهر أيضا عند الفلاسفة والعلماء العرب، أمثال: جابر بن حيان فى الكيمياء، الحسن بن الهيثم فى علم البصريات، أبو بكر الرازى وابن سينا فى الطب، ابن النفيس فى علم وظائف الأعضاء، أما الانتشار الحقيقى لهذا المذهب فكان من القرون الحديثة ابتداء من فرنسيس بيكون.

والتجريب يوجد كذلك فى مجال العلوم، فيقال: علوم تجريبية، أى العلوم التى تعتمد على التجريب، فالطب التجريبى مقابل الطب السريرى؛ لأن الأول يعتمد على التجريب والثانى يعتمد على الملاحظة، وعلم النفس التجريبى مقابل لعلم النفس النظرى.

وقد أطلق ابن سينا على المشاهدات الحاصلة من التجريب اسم المجربات وهى أمور توقع التصديق بها الحس من تكرار حدوثها، فالمجربات قضايا وأحكام تتبع مشاهدات متكررة.

والتجريب الذهنى مقابل للتجريب المادى، وهو أن يتصور الإنسان بعض المواقف ويركز انتباهه فيها، ويتنبأ بما ينشأ عنها من نتائج، وهذا التجريب لا يبلغ نهايته إلا إذا أمكن تمثل المواقف تمثلا دقيقا، وهو أيسر من التجريب المادى، لأن تصوراتنا فى متناول أيدينا، مثال ذلك واضعو المشروعات، وبناة القصور فى الخيال، والروائيون، ومخترعوا لنظريات السياسية والاجتماعية، والباحثون عن الحقيقة ينصرون جميعا مشروعاتهم قبل الإقدام على تحقيقها، ويجرون تصويبات ذهنية قبل خروجها إلى الواقع، وتسمى لذلك بالتجريبية الذهنية.

ا. د/ منى أحمد أبو زيد


المرجع
١ - المعجم الفلسفى: د. عبد المنعم الحفنى، الدار الشرقية، القاهرة ١٤١٠ هـ/ ١٩٩٠ م
٢ - المعجم الفلسفى ج ١ د. جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى- بيروت ١٩٨٢ م.
٣ - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر معهد الإنماء العربى، إشراف د. معن زيادة ج٢، القسم الأول، مادة (التجريبية) كتابة د. محمود فهمى زيدان- بيروت ١٩٨٨م.

<<  <   >  >>