للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٢٨ - الرياء]

لغة: من المراءاة وهو الاتصاف بالخير والصلاح على خلاف ما عليه صاحبه، راءى: عمل الشىء رياء وسمعة. (١)

واصطلاحا: ترك الإخلاص فى العمل بملاحظة غير الله فيه (٢)

وقيل هو: إظهار الطاعة للناس ليحسنوا بها إلى صاحبها (٣) وقيل: الرياء إرادة العبد العباد بطاعة رَبّه (٤).

ولقد شدد الإسلام النكير على من يتخلق بالرياء، لأنه ينافى الإخلاص فى العبادة لله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة ٥) فالرياء يحبط ثواب الأعمال والطاعات، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس} (البقرة ٢٦٤) وقال تعالى متوعدًّا المراءين بالويل: {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون. ويمنعون الماعون} (الماعون ٤ - ٧)

ويخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أناس يبدو لنا من حالهم فى الدنيا الاستشهاد أو العلم أو الإنفاق، ولكن حقيقة أمرهم ليست كذلك؛ لأنهم أبطلوا ثواب أعمالهم بالرياء، فعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جرىء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فى النار ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلّمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم! وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ! فقد قيل، ثم أمر فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقى فى النار " (رواه مسلم فى صحيحه)

وقد وردت آثار عن الصحابة- رضوان الله عليهم- فى النهى عن الرياء منها ما روى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه رأى رجلا يطأطئ رقبته قال: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع فى الرقاب إنما الخشوع فى القلوب. (٥)

والإسلام لم يحرم المسلم من فضل ثناء الناس عليه، ما دامت نيته- أساسا- خالصة لوجه الله تعالى، لأنه فى هذه الحالة يكون ثناء الناس عليه دليلا على رضوان الله عز وجل. فعن أبى ذر - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" (رواه مسلم)

ولقد اهتم الصوفية ببيان حقيقة الرياء وذمّه وتوضيحه حتى لا يقع فيه الناس، حيث درسوه بعمق فى مؤلفاتهم، وقد أفردوا له صفحات طوال مثلما فعل أبو طالب المكى فى كتابه "قوت القلوب" والمحاسبى فى كتابه "الرعاية لحقوق الله " والغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " والديلمى (ت ٥٨٩ هـ) فى كتابه " إصلاح الأخلاق ".

(هيئة التحرير)

١ - المعجم الوسيط، مادة (رأى) ١/ ٣٧٠

٢ - التعريفات، للجرجانى، ص ٧٠ ط البابى الحلبى ١٩٣٨م، القاهرة

٣ - إصلاح الأخلاق ومفتاح الأغلاق، محمد بن عبد الملك الديلمى (مخطوط بمعهد المخطوطات العربية)

٤ - الرعاية لحقوق الله، الحارث المحاسبى ص ١٣١ ط دار المعارف ١٩٨٤ م.

٥ - إحياء علوم الدين، للغزالى،٣/ ٣١٤ ط الريان للتراث، القاهرة ١٩٨٧ م.


المراجع
١ - الأخلاق فى الإسلام، د/ عبد اللطيف العبد ط ١ مكتبه دار العلوم ١٩٨٥م.
٢ - الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهانى، تحقيق د/ أبو اليزيد العجمى، ط دار الوفاء المنصورة.
٣ - مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق، ابن حزم- تحقيق د/ عبد الرحمن عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة ١٩٧٠م.
٤ - التربية الأخلاقية الإسلامية، د/ مقداد يلجن- ط الخانجى، القاهرة ١٩٧٧م

<<  <   >  >>