للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠ - الطُّولُونِيَّة (الطُّولونيُّون)

أسرة حاكمة تولت حكم مصر فى الفترة بين سنتى ٢٥٤هـ-٨٦٨م،٢٩٢هـ-٩٠٥م تنسب إلى مؤسسها الوالى التركى أحمد بن طولون نشأ ابن طولون فى سامراء (سُرّ من رأى) التى شيدها بالعراق الخليفة المعتصم بالله سنة ٢٢٢هـ/٨٣٦م ليقيم فيها جنوده وأتباعه من الأتراك لتحاشى التنافسن بينهم وبين أهل بغداد وقد أثرت هذه النشأة كثيرا فى حياة ابن طولون.

ونشأ مع استيلاء الأتراك على مقاليد السلطة فى سامراء نوع من الإقطاع الإدارى، بلغ أوجه فى زمن الخليفة المعتمد وشقيقه الموفق طلحة، فقد تطلب تحقيق السيطرة على الجيش التركى الجديد كسبا لولاء أكثر قادته قوة، فعين كل واحد من هؤلاء القادة واليا على ولاية، وفضل بعضهم البقاء فى سامراء وإيفاد من ينوب عنه من صغار الضباط الموالين له مصحوبا ببعض قواته لإدارة الولاية وحمل عائدها إليه.

وتصادف أن منح الخليفة المعتز ولاية مصر إلى القائد التركى باكباك الذى عهد بها إلى غلامه أحمد بن طولون سنة ٢٥٤هـ-٨٦٨م وكان ابن طولون من الأتراك الطُغزغُز شابا طموحا فى الرابعة والثلاثين من عمره، وكان مدركا تماما للصعوبات والمشاكل التى كانت تمر بها الخلافة العباسية فى العراق (الحركات الانفصالية فى الولايات الشرقية وبداية ثورة الزنج) ووجد فى ذلك فرصة مواتية لإعلان استقلاله بمصر بعد أن تخلص من منافسه القوى متولى الخراج أحمد بن المدبر الذى سيره إلى الشام.

وترجع أهمية الدولة الطولونية التى أسسها فى مصرأحمد بن طولون، إلى أنه لأول مرة من خلالها تحاول مصر أن تكون ولاية مستقلة، ولكن طموحات ابن طولون لم تدفعه أبعد من تأسيس أسرة حاكمة تتوارث الحكم فى مصر وتعترف بالسيادة الاسمية للخلافة العباسية، فلم تكن لابن طولون أية أهداف استراتيجية مماثلة لتلك التى حملت الفاطميين بعد ذلك بقرن على تأسيس مدينة القاهرة.

وعلى ذلك فإن دار الإمارة بمدينة العسكر، العاصمة العباسية، لم تعد تناسب طموحات الحاكم الجديد الذى أخذ يبحثه عن مقر جديد يجعله عاصمة لدولته فوقع اختياره على الفضاء الممتد شمال شرق العسكر عند سفح المقطم تحت الشرف الذى كانت تقوم عليه حينئذ قبة الهواء وحيث أقام صلاح الدين بعد ثلاثة قرون قلعة الجبل، ليشيد مدينة "القطائع ".

إن تأسيس هذه المدينة وتطورها يذكرنا تماما بمدينة سامراء (سر من رأى) العراقية، فمثلما كان الحال فى سامراء قسمت المدينة فى مصر إلى عدد من القطع يسكن فيها عبيد ابن طولون وعساكره وغلمانه وجعلت كل قطيعة لطائفة، فكانت بمنزلة الحارات التى قسمت إليها القاهرة فيما بعد.

وقد بدأ ابن طولون فى عام ٢٥٦هـ-٨٧٠م ببناء "القصر" و "الميدان " الذى كان يضرب فيه بالصوالجة، وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله، فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء جنوبا بعمارة الفسطاط، وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل.

كان موقع القصر الذى شيده ابن طولون هو الميدان السلطانى تحت قلعة الجبل فيما بعد، وكان "الميدان" فيما بين القصر والجامع الذى شهر باسم "جامح ابن طولون ". فهذا الجامع هو الأثر الذى خلد اسم ابن طولون والذى بقى وحده من مدينة القطائع بعد أن خربها جنود العباسيين سنة ٢٢٩هـ-٩٠٤م وفعل فيها الاهمال فعله، وقد فرغ من بنائه وافتتح للصلاة فى رمضان سنة ٥٢٦هـ-مايو٨٧٩م. ويعد هذا الجامع أقدم جوامع مصر الإسلامية المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وتخطيطها الأصلى، بنى على طراز جامع سامراء فى العراق مع مئذنته الفريدة، وأصبح تخطيطه هو النموذج الذى أثر فيما بعد فى تخطيط وبناء المساجد الجامعة فى مصر الإسلامية، حتى جامع المؤيد شيخ الذى بنى سنة ٨١٨هـ-١٤١٥م. كما أنه يعد نقطة تحول هامة فى تاريخ العمارة الإسلامية، لأنه بنى من مواد جديدة تماما وليس من أنقاض الكنائس والمعابد القديمة، حيث أستخدم فى بناء عقوده ودعائمه الآجر بدلا من استخدام الرخام حتى يتمكن من مقاومة الحريق.

عمل ابن طولون بعد استقرار أمره فى مصر على مد نفوذه إلى بلاد الشام، فقد كان يعلم تماما أن أى خطر يمكن أن تتعرض له مصر لن يأتى إلا من الشام، وأن السلطة المركزية فى العراق لو فكرت فى مناؤاته فستسلك إليه طريق الشام. ودفعه إلى ذلك أيضا حرصه على أن يقوم بدور بارز فى السياسة الإسلامية المعاصرة، فحصل ابن طولون على ولاية الثغور الشامية وأصبحت له بذلك صفة المدافع عن حدود الشام حامى دار الإسلام من الخطر البيزنطى.

وبلغت الدولة الطولونية أوج عظمتها فى عهد خمارويه بن أحمد بن طولون وخليفته فى حكم مصر، الذى بلغ فى إضفاء مظاهر البذخ والأبهة على عاصمته، وقد ترك لنا المقريزى فى الخطط، وصفا تفصيليا للأعمال التى قام بها خمارويه، والتى استغل فيها العائد الكبير الذى كانت تدره عليه مصر والذى كان هو المستفيد الوحيد منه.

وإذا كانت فترة حكم خمارؤيه ٢٧٠:٢٨٢هـ-٨٨٤:٨٩٥م تمثل فترة ازدهار الدولة فإنها حملت فى طياتها عوامل تداعيها، فقد قادت النفقات الباهظة التى أنفقها خماروته -خاصة عند زفاف ابنته قطر الندى إلى الخليفة العباسى المعتمد- مالية الدولة إلى الإفلاس. وظهرت نتيجة ذلك فى أعقاب وفاته المفاجئة سنة ٢٨٢هـ-٨٩٥م فلم يخلف ولدا بالغا يخلفه فى حكم مصر، فكان الانهيار المالى وثورة الجنود عوامل أسهمت فى وضع نهاية للحكم الطولونى حيث أرسل العباسيون جيشا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب سنة ٢٩٢هـ-٩٠٥م وضع نهاية لاستقلال الطولونيين وأعاد مصر ولاية عباسية من جديد.

أ. د/أيمن فؤاد سيد


مراجع الاستزادة:
١ - سيرة أحمد بن طولون البلوى: (تحقيق محمد كرد على)، دمشق ١٣٥٨هـ.
٢ - المغرب فى حلى المغرب ابن سعيد: (تحقيق زكى محمد حسن وآخرون) القاهرة ١٩٥٣م ٧٣ - ١٤٦.
٣ - المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى: القاهرة ١٨٥٣، ١:٣١٣ - ٣٢٦، ٢:٢٦٥ - ٢٦٩.
٤ - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغرى بردى القاهرة ١٩٢٩ - ١٩٥٦، ٣:١ - ١٤٣.
٥ - الفن الإسلامى فى مصر، زكى محمد حسن القاهرة ١٩٣٧.
٦ - مصر فى عصر الطولونيين، سيدة إسماعيل الكاشف وحسن أحمد محمود القاهرة ١٩٦٠.
٧ - أحمد بن طولون، سيدة إسماعيل الكاشف القاهرة١٩٦٥.
٨ - حضارة مصر الإسلامية فى العصر الطولونى، حسن أحمد محمود القاهرة د. ت.
Corbett، E.R.، "The life and work of Ahmed ibn Tulun" JRAS (١٨٩١)، pp. ٥٢٧-٥٦٢؛ Hassan، Z.M.، Les tulunides، - صلى الله عليه وسلم - ` tude de l'Egypte musulmene a` la fin du ix'sie`cle ٨٦٨-٩٠٥، Paris ١٩٣٣، ed. El.٢rt. Ahmed b. Tulun I، pp.٢٨٧-٨٨

<<  <   >  >>