للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣٧ - عموم الرسالة]

لغة: الرسالة: ما يرسل، والرسالة: الخطاب، والرسالة: كتاب يشتمل على قليل من المسائل تكون فى موضوع واحد، ورسالة الرسول: ما أُمر بتبليغه عن الله، ودعوته للناس إلى ما أوحى إليه، ويقال: عمَّ الشىء عموما: شمل، والعام: الشامل. كما فى الوسيط (١).

واصطُلاحا: يقصد بعموم الرسالة: رسالة الإسلام التى جاءت عامة لجميع البشر فى كل زمان ومكان، وتشريعه يتسم بالعموم والشمول.

فهى الرسالة التى امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة. والعموم من الخصائص التى تميز بها الإسلام عن كل ما عرفه الناس فى الأديان والفلسفات والمذاهب بكل ما تتضمنه هذه الخاصية من معان وأبعاد.

ومما يدل على عموم رسالة الإسلام:

١ - إنها رسالة الزمن كله فهى رسالة لكل الأزمنة والأجيال، ليست موقوتة بعصر معين أو زمن مخصوص، ينتهى أثرها بانتهائه، كما كان الشأن فى رسالة الأنبياء السابقين على محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد كان كل نبى يبعث لمرحلة زمنية محددة حتى إذا ما انقضت بعث الله نبيا آخر. أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو خاتم النبيين ورسالته هى رسالة الخلود التى قدر الله بقاءها إلى أن تقوم الساعة. قال تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (الأحزاب ٤٠).

كما أن رسالة الإسلام فى جوهرها رسالة كل نبى جاء من عند الله منذ عهد نوح إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) إنها رسالة الزمن كل الزمن قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (البقرة ٢٨٥).

٢ - رسالة العالم كله فهى غير محدودة بمكان ولا بأمة ولا بشعب ولا بطبقة، إنها الرسالة الشاملة التى تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات قال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء١٠٧). وقال {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سبأ ٢٨). وقوله - صلى الله عليه وسلم - " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى ... وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" (رواه البخارى ومسلم).

٣ - رسالة الإنسان، حيثُ إنها تخاطب عقله وروحه معا، فالإنسان كل متكامل وكيان واحد، لا تنفصل فيه روح عن مادة، إنه وحدة لا تتجزأ من الجسم والروح والعقل والضمير، فى كل مراحل حياته ووجوده، فهى تصاحب الإنسان طفلا ورجلا وشيخا فى دنياه وفى قبره، ففى الإسلام أحكام تتعلق بكل ذلك فلا توجد مرحلة فى حياته إلا والإسلام له فيها توجيه وتشريع ..

٤ - مصادر الأحكام تجعل الشريعة الإسلامية فى غاية القدرة والاستعداد والأهلية للبقاء يحدث شيء جديد إلا وللشريعة حكم فيه، إما بالنص الصريح من الكتاب والسنة أو بالاجتهاد الصحيح والعموم، بحيث لا من القياس والإجماع والاستحسان والمصلحة المرسلة، وبالتالى الناس ومصالحهم.

٥ - مكانة المصلحة فى الشريعة الإسلامية؛ فالواقع يدل على الشريعة الإسلامية ما أن شُرعت إلا لتحقيق مصالح العباد فى العاجل ولا تضيق الشريعة بالوقائع الجديدة وبالتالى لا تضيق بحاجاتالآجل، ودرء المفاسد والأضرار عنهم فى العاجل والآجل، ومما يبين مكانة المصلحة فى الشريعة الإسلامية قوله تعالى فى:

(أ) تعليل رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء ١٠٧) فالرحمة تتضمن، قَطعا رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، ولا يمكن أن تكون رحمة إذا أُغفلت هذه المصالح.

(ب) تعليل الأحكام فى الشريعة بجلب المصلحة ودرء المفسدة، لإعلام البشر بأن تحقيق المصالح هو مقصود الإسلام، وأن الأحكام ما شُرعت إلا لهذا الغرض. قال تعالى {ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب} (البقرة ١٧٩). فالقصاصُ شُرع لتحقيق هذه المصلحة، وهى الحياة للناس بزجر من تسول له نفسه الاعتداء على أرواح الناس.

(ج) تشريع الرخص عند وجود المشقات فى تطبيق الأحكام، إذا كانت هذه المشقات فوق طاقة البشر المعتادة، من ذلك إباحة الفطر فى رمضان للمريض والمسافر.

(د) أحكام الشريعة كلها تحقق وتحفظ مصالح الناس المتعلقة بالضروريات والحاجيات

وا لتحسينات، فبالنسبة للضروريات شرعت العبادات لإقامة الدين وتحقيقه، وشرع الجهاد وعقوبة المرتد لحفظه، وشرع تحريم الخمر لحفظ العقل وبالنسبة للحاجيات شرعت لها الرخص عند المشقة. وفى التحسينات شرعت الطهارة للبدن والثوب. وعلى هذا فكل مصلحة مشروعة حقيقية تظهر، أو مفسدة تطرأ فإن الشريعة الإسلامية تبيح لإيجاد الحكم لتحقيق تلك المصلحة، ودرء هذه المفسدة فى ضوء قواعد الاجتهاد المقررة فى الفقه الإسلامى.

٦ - وأحكام الشريعة بشقيها العامة والتفصيلية جاءت على نحو يوافق كل مكان وزمان ويتفق مع عموم رسالة الشريعة الإسلامية وبقائها: فأما القواعد والمبادئ العامة- فقد وردت فى الشريعة- تتضمن أحكاما عامة يمكن بسهولة ويسر تطبيقها فى كل مكان وزمان، وتتسع لتشمل كل مصلحة حقيقية جديدة للناس، ومن هذه القواعد والمبادئ العامة:

(أ) مبدأ الشورى. قال تعالى {وأمرهم شورى بينهم} (الشورى ٣٨). فهذا المبدأ أسمى وأعدل وأحكم قواعد الحكم الصالح بين البشر، فقد جاء بدرجة كافية من العموم والمرونة، بحيث يتسع لكل تنظيم صحيح يوضع لتطبيق هذا المبدأ.

(ب) مبدأ المساواة، فهو من مبادئ الإسلام العظيمة، وله مظاهر كثيرة فى جوانب التشريع الإسلامى، من المساواة أمام القانون، وفى تطبيق الأحكام، ومساواة فى التكاليف.

(ج) مبدأ العدالة فى الإسلام مبدأ بارز يظهر فى الأمر بها والحكم بين الناس بموجبها، وبالالتزام بمقتضاها قال تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء٥٨). ولاشك أن هذا المبدأ يضمن مصالح الناس، ويتسع لكل تنظيم صحيح يحقق معنى العدالة والمقصود منها.

(د) قاعدة لا ضرر ولا ضرار ومعناها أن الضرر مرفوع بحكم الشريعة؛ أى لا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره، كما أن مقابلة الضرر بالضرر لا تجوز؛ لأنه عبث وإفساد لا معنى له، فمن أحرق مال غيره فلا يجوز للغير إحراق مال المعتدى، وإنما له أن يطالبه بالتعويض.

وأما الأحكام التفصيلية فهى كثيرة يطول شرحها وبيانها لإظهار مدى قابليتها للبقاء والاستمرار. فأحكام الشريعة إما أن تتعلق بأمور العقيدة أو بالأخلاق أو بالعبادات أو بالمعاملات، ولنأخذ مثالا على ذلك منها:

فمن أحكام العبادات وجوب الصلاة والصيام ونحو ذلك، ومسائل العبادة من لوازم الإيمان بالله ومقتضاه؛ لأنها تنظيم لعلاقة الفرد بخالقه والوفاء بحق هذا الخالق العظيم. والإنسان لا ينفك عن صفة مخلوقيته لله فى أى دهر من الدهور وفى أى زمن من الأزمان؛ وبالتالى لا يستغنى عن تنظيم علاقته بربه، والعبادات بعد ذلك وسيلة لتزكية النفس وطهارتها وربطها بخالقها ودفعها إلى الخير، ومنعها من الشر.

قال تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت ٤٥). وفى ذلك تحقيق مصلحة الجماعة فى كل زمان ومكان، ومن ثمَّ فأحكام العبادات لابد منها فى أى مجتمع إنسانى وبالنسبة لكل فرد فى القرن الحادى والعشرين أو فى أى قرن بعده.

(هيئة التحرير)

١ - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية ١/ ٣٥٦ - دار المعارف ط ٣.


المراجع
١ - أصول الدعوة د/ عبد الكريم زيدان.
٢ - الخصائص العامة للإسلام د/ يوسف القرضاوى.
٣ - دراسات فى الفكر الإسلامى- د/ عبد الحميد مدكور- مكتبة الزهراء١٩٨٩ م.

<<  <   >  >>