للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٤ - الخلافة]

لغة: من خلف فلان فلانا إذا كان خليفته وجاء من بعده، وهى مصدر تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه، والخلافة النيابة عن الغير.

واصطلاحا: الخلافة فى الإسلام منصب سياسى يجمع صاحبه بين السلطتين الزمنية والروحية، ولكن وظيفته الدينية لا تتعدى المحافظة على شرع الله، ومن حقه قيادة الدولة الإسلامية ورسم سياستها وتنفيذها على المستويين: الداخلى والخارجى، وواجبه تبليغ الدعوة الإسلامية ونشرها والتصدى بالقتال -إذا لزم الأمر- ضد من يقف عقبة فى سبيل أدائه لمهمته، وله أن يعاقب الخارجين على أوامر الشرع، ويؤم الناس فى الصلوات ويساعدهم على أداء الفرائض السياسية.

وقد وردت هذه المادة فى آيات عديدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة:٣٠، أى قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن.

وقوله سبحانه وتعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق} ص:٢٦، أى استخلفناك على الملك فى الأرض، لأن داود -عليه السلام- كان ملكا نبيا.

وقد نشأ منصب الخلافة -باعتباره ضرورة فرضتها الظروف السياسية- عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وكان نتيجة للمناقشات الحرة التى جرت بين الصحابة -رضوان الله عليهم- فى "سقيفة بنى ساعدة" لقد كان اجتماع "السقيفة" هذا أشبه بجمعية تأسيسية أو وطنية مناط بها البحث فى مصير أمة بعد وفاة موجهها وقائدها، وقد دارت المناقشات فيه بحرية كاملة، وانبثق عنه آنئذ قيام نظام الخلافة، هذا النظام الذى استمر -بشكل أو بآخر- فى العالم الإسلامى حتى القرن العشرين، ولم يغب عن مجتمعنا إلا بعد أن قام "كمال أتاتورك" بإلغائه سنة (١٣٢٣هـ-١٩٢٤م) عقب انهيار الخلافة العثمانية.

وكان اختيار لقب "خليفة" وإطلاقه على أول رئيس للدولة الإسلامية -أبى بكر الصديق رضى الله عنه- الهدف منه، التمييز بين هذا النظام الذى أقامه المسلمون وبين أنظمة الحكم التى كانت سائدة فى العالم آنئذ، لقد كانت هذه الأنظمة تقوم على القهر والجبروت، وتستعبد الشعوب وتستغلها وتحرمها من أبسط حقوقها، بينما جاء النظام الإسلامى ليكون جديدا فى جوهره وغاياته فهو يرفض القهر والظلم، ويقوم على قواعد الحرية والمساواة والعدل والاعتداد برأى الأمة؛ ولهذا كان هذا اللقب تأكيدا لحقيقة مهمة هى أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر وباق فى أمته، وأن أبا بكر إنما يخلف محمدا صلى الله عليه وسلم فى التنفيذ والتطبيق ورعاية مصلحة الأمة، وليس فى الإضافة إلى الدين أو الانتقاص منه.

نرى كل هذه الحقائق واضحة فى ذهن كل من عرض لموضوع "الخلافة" الذين قدموا لها تعريفات توضح جوهر النظام الإسلامى وغاياته، ولعل من أبرزها تعريف "ابن خلدون" الذى عبر عن ماهيتها بقوله: "الخلافة هى حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهى فى الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به ".

لقد كان اختيار المسلمين لخليفتهم الأول رضى الله عنه، بناء على قاعدة الشورى، وتحددت مهمته فى قيادة المسلمين، ورعاية مصالح الناس، وتنفيذ شرع الله عز وجل، واشترط العلماء فيمن يلى هذا المنصب شروطا منها الكفاية والعدل وصحة البدن والعقل ... الخ.

واستمر اختيار الخلفاء وفقا لهذه الشروط طوال عصر الراشدين، ثم حدث تحول ابتداء من العصر الأموى، فتركت الشورى، واعتمد نظام الغلبة والتوارث، وبعد أن كانت الخلافة اختيارا اصبحت قهرا وإجبارا، تقترب أو تبتعد عن قيم الإسلام ومبادئه، وتتفق معه فى قليل أو كثير إلى أن تم إلغاؤها تماما كما أسلفناه.

أ. د/عبد الله محمد جمال الدين


مراجع الاستزادة:
١ - الأحكام السلطانية والولايات الدينية -أبو الحسن المارودى- طبع الحلبى مصر بدون تاريخ.
٢ - موسوعة السياسة الإسلامية: عبد الوهاب الكيالى وآخرون: المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة ١٩٧٩م.
٣ - الخلافة توماس أرنولد: ترجمة عن الانجليزية إلى العربية جميل معلى دمشق سنة ١٩٤٦م.
٤ - النظريات السياسية الإسلامية، الأستاذ الدكتور/محمد ضياء الدين الريس: ط (٧) القاهرة سنة ١٩٧٩م.
٥ - نظام الدولة فى الإسلام، الأستاذ الدكتور/عبد الله جمال الدين: ط (٢) القاهرة سنة ١٩٩٠م.
٦ - نطام الحكم فى الشريعة والتاريخ -ظافر القاسمى جزءان- بيروت سنة ١٩٧٤م

<<  <   >  >>