للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٠ - المجاهدة]

لغة: جَهَدَ: جَدَّ، وجَهَدَ فى الأمر أى طلبه حتى وصل إلى الغاية وبلغ المشقة، وجهد بفلان: أى امتحنه. وتجاهَدَ العَدوَّ مجاهدة وجهادا: أى قاتله (١).

واصطلاحا: يقصد بها مجاهدة النفس، لأن المسلم يعلم أن أعدى أعدائه إليه هى النفس التى بين جنبيه، وأنها بطبيعتها ميالة إلى الشر، فرارة من الخير، أمارة بالسوء {وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء} (يوسف ٥٣).

والنفس بطبيعتها تحب الدعة، والخلود إلى الراحة، وترغب فى البطالة، وتنجرف مع الهوى، وتستهويها. الشهوات العاجلة، وإن كان فيها حتفها وشقاؤها (٢).

فإذا عرف المسلم هذا عبَّأ نفسه فأعلن عليها الحرب، وصمم على مكافحة رعوناتها، ومناجزة شهواتها، فإذا أحبت الراحة أتعبها، وإذا رغبت فى الشهوة حرمها، وإذا قصرت فى طاعة أو خير: عاقبها ولامها، ثم ألزمها بفعل ما قصرت فيه، وبقضاء ما فوتته أو تركته. يأخذها بهذا التأديب حتى تطمئن وتَطهر وتطيب، وتلك غاية المجاهدة للنفس قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} (العنكبوت ٦٩).

والمسلم إذ يجاهد نفسه فى ذات الله لتطيب وتطهر وتزكو وتطمئن، وتصبح أهلا لكرامة الله تعالى ورضاه يعلم أن هذا هو درب الصاحين وسبيل المؤمنين الصادقين فيسلكه مقتديا بهم، ويسير معه مقتفيا آثارهم. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الليل حتى تفطرت قدماه الشريفتان، وسئل عليه السلام فى ذلك فقال: "أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ "، وعن على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال: (والله لقد رأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أرى شيئا يشبههم كانوا يُصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا سجَّدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباهم، وكانوا إذا ذكر الله مادوا كما يميد الشجر فى يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم) (٣).

ونرى معاتبة النفس وتأنيبها فى موقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على تفويت صلاة عصر فى جماعة، فتصدق بأرض تقدر قيمتها بمائتى ألف درهم (٤).

كذلك عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، كان إذا فاتته صلاة فى جماعة أحيا تلك الليلة بأكملها"؛ وفى يوم أخَّر صلاة المغرب فأعتق رقبتين وكان على بن أبى طالب - رضي الله عنه - يقول: رحم الله أقواما يحسبهم الناس مرضى، وما هم بمرضى، وذلك من آثار مجاهدة النفس (هـ). والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خير الناس من طال عمره، وحسن عمله".

(هيئة التحرير)


المراجع
١ - لسان العرب لابن منظور مادة (جَهَدَ)، والمعجم الوسيط ١/ ١٤٧.
٢ - بُستان الواعظين ورياض السامعين، لابن الجوزى، تحقيق إبراهيم بن أحمد عبد الحميد، طبعة إحياء الكتب العربية القاهرة.
٣ - طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم، طبعة مكتبة المتنبى- القاهرة.
٤ - منهاج المسلم، لأبى بكر الجزائرى، طبعة المصطفى- القاهرة.
٥ - نهج البلاغة، شرح الإمام محمد عبده، تحقيق محمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا- مطبعة دار الشعب القاهرة.

<<  <   >  >>