للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٩ - المديح]

لغة: مدحه أثنى عليه بما له من الصفات. والمديح: ما يمتدح به، وجمعها: المدائح كما فى الوسيط (١).

واصطلاحا: الثناء على ذى شأن بما يستحسن من الأخلاق النفيسة .. كرجاحة العقل، والعفة، والعدل، والشجاعة .. وأن هذه الصفات عريقة فيه وفى قومه (٢).

وهو من أغراض الشعر العربى منذ الجاهلية .. إلا أنه فى أواخر العصر الجاهلى إنحط إلى درك المسألة والتكسب على يد "الأعشى"، حيث مدح كل من أعطى، وشكر كل من أكرم .. فذكر فى مدحه الصفات المثلى التى يحبها العربى .. وقبل الأعشى نجد النابغة قد سن للناس سنن المديح الرسمى .. حين يتطلعون إلى الملوك .. وحسان بن ثابت .. حين مدح ملوك الغساسنة وأمراءهم .. ووصف نعيمهم وترفهم .. ورسم ما كانوا يلبسون ويرتدون، وذكر ديارهم العامرة (٣).

وفى عصر صدر الإسلام ترخص النبى - صلى الله عليه وسلم - فى استماع المديح .. والإجازة عليه تأييدا للدعوة الإسلامية .. إذ كان جُلّ ما يمدح به خاصا بعمل الرسالة .. ولكنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سماع المدح لمجرد الإطراء .. والتقريظ .. وفى غير تأييد حق .. وتورع الخلفاء الراشدون عن سماع المدح الباطل .. ففترت صناعة التكسب بالشعر فترة من الزمن (٤).

وفى عصر بنى أمية، ترخص معاوية فى سماع المديح تأييدا لدعوته .. ثم توسع فى ذلك بنو مروان .. فاستمعوا له فى حق .. وفى غير حق .. وأجازوا عليه الجوائز السنية .. وتبع الملوك فى ذلك الولاة .. ورؤساء الأحزاب فى زمانهم .. وتسابق الشعراء إلى اختراع المعانى التى تعجب أولياء الأمر .. فكالوا منها لكل ما لا يستحق .. مما كان قدوة لمن جاء بعدهم .. من غلاة المداحين (٥).

وفى العصر العباسى .. رأينا الشعراء يمتدحون، ويتكسبون بشعرهم .. يرجون النوال .. ولكنهم زادوا فى معانى هذا المديح وصوره ما يتلاءم مع الحضارة العباسية .. والحياة الاجتماعية الجديدة .. ومواسم الخلافة والملك .. وأعياد البلاط ومناسبات الحرب والسلام .. وأضفوا على المعانى القديمة صورا براقة .. تصف هؤلاء الخلفاء بما يتناسب وحاجة الملك الجديد. ونقلوا مديح الملوك من ميدان الكرم والشجاعة إلى ميادين جديدة فيها حب الرعية، والإخلاص للشعب، والخير للبلاد (٦).

وظل المديح المتكسب يتنقل بين العصور الإسلامية حتى فتر وضاقت معانيه وصوره .. إلى أن جاء "محمود سامى البارودى" فى العصر الحديث .. فأعاد للمديح أسلوبه المتين .. ولفظه القديم .. وأضاف إليه صورا استقاها من العصر .. وسار على خطته "حافظ إبراهيم" .. وحمل شوقى لواء المديح فارتفع به إلى مرتبة تجعله شبيها بأبى تمام فى العباسيين، والمتنبى فى الحمدانيين (٧).

أ. د/ صفوت زيد


المراجع
١ - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة (مدح) ٢/ ٨٩٢، دار المعارف/ ط٣.
٢ - جواهر الأدب فى أدبيات وإنشاء لغة العرب، السيد أحمد الهاشمى مؤسسة المعارف، بيروت- د. ت ٦/ ٢٦.
٣ - المديح، سامى الدهان من دار المعارف- القاهرة- الطبعة الخامسة ص ١٤ - ١٩.

جواهر الأدب ٢/ ١٣٣ والمفصل فى تاريخ الأدب العربى- أحمد الإسكندرى وآخرون- لجنة التأليف والترجمة والنشر- ٩٣٤ ١ م وتاريخ آداب اللغة العربية جورجى زيدان دار الهلال ١/ ١٩٣ - ١٩٦.
٥ - المديح ١٩ - ٢٢، وانظر تفصيل ذلك فى تاريخ آداب اللغة العربية ١/ ٢٢٩ - ٣١١.
٦ - المديح ٢٢ - ٣٠، وانظر أيضا: تاريخ آداب اللغة العربية ٢/ ٣٨ - ٩٢.
٧ - السابق، ٤٤ - ٦٨، والمفصل فى تاريخ الأدب العربى ٢/ ٣٣٤ - ٣٨٧.

<<  <   >  >>