للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٩ - المجاز]

لغة: تدور معانيه حول إزالة الموانع، والعبور من مكان إلى مكان، يقولون: جاز الشىء يعنى مضى، وجزت المكان عبرته، ومن معانى المجاز: الطريق. كما فى لسان العرب (١).

واصطلاحا: هو نقل المفرد اللغوى، أو التركيب من معناه الوضعى الذى أراده منه واضع اللغة، إلى معنى ثان (مجازى) بينه وبين المعنى الأول (الوضعى) مناسبة، بقصد المبالغة فى بيان المعنى الثانى أو توضيحه. وقيل: هو الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له، لعلاقة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى (٢).

فكلمة "بحر" وضعها واضع اللغة للدلالة على "مجتمع الماء" المعروف، وهذه الدلالة يشترك فى فهمها جميع الناس، وهذه الكلمة "بحر" صالحة للنقل من دلالتها الوضعية إلى دلالة أخرى خاصة (مجازية) كاستعمالات وصف الرجل الكريم فى قول الشاعر المتنبى يمدح سيف الدولة الحمدانى حين أبصره قادما فاستقبله بحفاوة وعانقه:

ولم أر مثلى من مشى البحر نحوه

ولا رجلا قامت تعانقه الأُسدُ

فقد عنى الشاعر من كلمة "بحر" الرجل الكريم، وعنى من كلمة "الأسد" الرجل الشجاع بعد أن نقل الكلمتين من معنييهما اللغوى الوصفى العام، إلى معنى مجازى خاص.

وهذا النقل هو المسمى "المجاز" عند علماء البيان، ولابد من وجود علاقة فيه بين معنى الكلمة المنقولة، والكلمة المنقول إليها، مع وجود أمارة (قرينة) تمنع من إرادة المعنى الوصفى.

فالعلاقة بين البحر والكلام هى "السخاء" لأن الكريم لا يمنع سائلا، والبحر لا يمنع ماءه عن طالبيه.

أما القرينة المانعة، فلأن البحر لا يمشى نحو أحد، والأُسد لا تعانق أحدا، بل تفترسه إذا ظفرت به.

والمجاز عندهم قسمان:

لغوى وعقلى: فاللغوى يكون التصرف فيه فى مفردات اللغة أو تراكيبها كما تصرف الشاعر فى كلمتى: بحر، وأسد.

والمجاز اللغوى نوعان:

مجاز استعارى (استعارات) إذا كانت علاقته "المشابهة" أى مشابهة المنقول إليه للمنقول منه، كما فى البيت السابق.

ومجاز مرسل إذا كانت العلاقة غير المشابهة، مثل الجزئية فى قوله تعالى {فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء٩٢) والمراد ذات العبد لا رقبته.

والكلية مثل قوله تعالى {يجعلون أصابعهم فى آذانهم} (البقرة ١٩) المراد أطراف الأصابع.

أما المجاز العقلى فهو إسناد الفعل أو ما فى معناه إلى غير فاعله الحقيقى، مثل قوله تعالى {وأخرجت الأرض أثقالها} (الزلزلة ٢) لأن فاعل الإخراج هو الله، وقد أسند إلى مكانه وهو الأرض، لأن الأرض مكان الإخراج.

والمجاز ليس كذبا كما ظن بعض الناس، لأن المتجوز يضع قرينه فى كلامه تمنع من إرادة المعنى الأصلى، أما الكاذب فهو دائما يحاول الخداع ليستمر كذبه.

ومن ثمار المجاز التوسع فى طرق التعبير، وإيضاح المعنى المراد وتضخيمه مع الإيجاز والمبالغة (٣).

أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى


المراجع
١ - لسان العرب- لابن منظور، والصحاح للجوهرى- مادة (جوز).
٢ - مبحث الحقيقة والمجاز فى: الإيضاح للخطيب القزوينى، المطول لسعد الدين التفتازانى، شروح التلخيص جـ ٣، ٤.
٣ - مبحث المجاز فى: الإيضاح، والمطول، وشروح التلخيص وهى مراجع سبق ذكرها.

<<  <   >  >>