للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٢٧ - القول بالموجب]

لغة: الموجب مأخوذ من: أوجب يوجب، أى: أتى بموجبه من السيئات أو الحسنات، وأوجب الرجل: إذا عمل عملاً يوجب الجنة أو النار (١).

واصطلاحا: تسليم ما جعلّه المستدل موجبا لعلته مع استبقاء الخلاف (٢).

ومعنى ذلك: أن يسلم الخصم الدليل الذى استدل به المستدل، إلا أنه يقول: هذا الدليل ليس فى محل النزاع إنما هو فى غيره، فيبقى الخلاف بينهما كقول الشافعى: المحرم إذا مات لم يُغسّل، ولم يُمَسَّ بطيب؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رجل مات وهو محرم: لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) (٣).

فيقول المالكى: سلمنا ذلك فى ذلك الرجل، وإنما النزاع فى غيره، لأن اللفظ لم يرد بصيغة العموم (٤).

والقول بالموجب من قوادح العلة، والموجب بفتح الجيم أى: القول بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه، أما الموجب بكسرها فهو: الدليل المقتضى للحكم، وهو غير مختص بالقياس، ومنه الآية الكريمة {لئن رَجَعْنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} (المنافقون ٨) فقد ذكرها رأس النفاق ابن سلول وقت أن كان المسلمون فى غزوة بنى المصطلق، فقال: لئن رجعنا إلى المدينة من هذه الغزوة ليخرجن الأعز- يقصد نفسه- منها الأذل يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأجابه الله تبارك وتعالى بموجب قوله مع عدم تسليمه له فقال تعالى] ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [. (المنافقون ٨) فإنه لما ذكر صفة، وهى العزة، وأثبت لها حكما، وهو الإخراج من المدينة، رد عليه رب العزة تبارك وتعالى بأن هذه الصفة ثابتة لكن لا لمن أراد ثبوتها له، فإنها ثابتة لغيره باقية علّى اقتضائها للّحكم وهو الإخراج، فالعزة موجودة لكن لا له بل لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين (٥). وجمهور الأصوليين على أن القول بالموجب قادح فى العلة مُفْسد لها، ومن صرح بذلك إمام الحرمين، وابن السمعانى، والفخر الرازى، والآمدى، لأن المعترض إذا قال بموجب العلة أصبحت فى موضع- الإجماع، ولا تكون متناولة لوضع الخلاف، ولأنه إذا كان تسليم موجب ما ذكره من الدليل لا يرفع الخلاف، علم أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذى أراد إثباته. ونقل الزركشى عن ظاهر كلام الجدليين أنه ليس من قوادح العلة، لأن القول بموجب الدليل تسليم فكيف يكون مفسدا (٦)

أ. د/ على جمعة محمد

١ - لسان العرب، لابن منظور٦/ ٤٧٦٦ - ٤٧٦٧ دار المعارف، المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية ٢/ ١٠١٢،دار المعارف ١٩٧٢ م.

٢ - الإيضاح لقوانين الإصطلاح فى الجدل والمناظرة، الجوزى ص ٣٣٥ - تحقيق محمود الدغيم- مدبولى ١٩٩٥م

٣ - هذا الحديث متفق عليه. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز رقم (٢٦٥ ١) و (٣٦٦ ١) و (٢٦٧ ١) و (٢٦٨ ١)، مسلم فى كتاب الحج رقم (٦ ٠ ٢ ١) من رواية ابن عباس.

٤ - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى- تحقيق محمد المختار الشنقيطى، ص ٣٨٥ مكتبة ابن تيمية، ط ١/ ١٤١٤ هـ.

٥ - تشنيف المسامع بجمع الجوامع، للزركشى ٤/ ٣٦١ ومابعدها، مؤسسة قرطبة طبعة ١،١٩٩٨م- شرح المحلى على جمع الجوامع٢/ ٣١٦ طبعة مصطفى الحلبى- غاية الوصول شرح لب الأصول، للشيخ زكريا الأنصارى ص ١٣١ طبعة عيسى الحلبى وشركاه.

٦ - البحر المحيط، للزركشى ٥/ ٢٩٧ وما بعدها- طبعة وزارة الأوقاف بالكويت ١٩٩٠م- تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزى- هامش ص ٣٨٥، ص ٣٨٦ - مكتبه ابن تيمية١٤١٤هـ


المراجع
١ - الفائق فى أصول الفقه، لصفى الدين الهندى- تحقيق د/ على العميرين٤/ ٢٤٩ وما بعدها طبعة السعودية.
٢ - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول- تحقيق د/ شعبان محمد إسماعيل ٢/ ٢٢٢ وما بعدها- دار الكتبى- طبعة ١، ١٩٩٣م.
٣ - الكافية فى الجدل، لأبى المعالى الجوينى- تحقيق د/ فوقية حسين محمود، ص ١٦١ - عيسى البابى الحلبى وشركاه ١٩٧٩م.

<<  <   >  >>