للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٨ - النقود]

لغة: النَّقْدُ والتَّنْقادُ: تمييز الدراهم وإخراج الزَّيْفِ منها فأنشد سيبويه:

تَئْفى يداها الحَصَى، فى كلِّ هاجرةٍ نَفىَ الدَّنانير َتنْقَادُ الصَّياريف

وقد نَقَدَها يَنْقُدُها نَقْداً وانتقدها وتَنَقَّدَها، ونَقْده إياهَا نَقْداً: أعطاها، فانتقدها أى قبضها. ونقدتُ له الدراهم أى أعطيته.

واصطلاحاً: عُرِفَ استعمال المقطعات المعدنية كوسيلة من وسائل التبادل منذ أمد بعيد، إلى جانب وسيلة المقايضة.

والنقد من حيث اشتماله على وزن معين وقيمة معروفة للتبادل فقد تأخر إلى القرن السابع قبل الميلاد، وأول إشارة إلى أمة عرفت النقد الأمة اللوذية (١) فى الأناضول حوالى سنة ٦٤٠ ق. م صنعوه من سبيكة طبيعية، وجد فيها كمٌّ من الذهب مخلوط بكم من الفضة.

ومن اللوذيين تعلمت أمم كثيرة فى الشرق والغرب النظام النقدى وضرب النقود، فضرب الأثينيون نقوداً من معادن مختلفة من الفضة وسموها (دارخمة) (٢) وضرب الفرس (الدارك).

أما عن النظام النقدى قبل الإسلام: فهناك إشارات فى القرآن الكريم عن ذلك فيقول تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} (يوسف ٢٠) {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما} (آل عمران ٧٥) فالدراهم هى العملة المتداولة قبل الإسلام وهى فارسية وذلك لأن قاعدتها الفضة، فى حين أن النقد البيزنطى قاعدته الذهب.

والدراهم الفارسية التى عرفتها المنطقة تتمثل فى:

١ - نوع أطلق عليه الدراهم البغلية، وكان وزنه عندهم عشرين قيراطاً.

٢ - درهم ثان كان وزنه أقل، حيث لم يتعد اثنى عشر قيراطاً.

٣ - درهم ثالث كان وزنه عشرة قراريط فقط (وهو الطبرى)

- وقد أشار مؤرخو العرب المتعرضون لقضية النقد إلى هذه الدراهم، فيقول المقريزى: عن الدرهم البغلى إنه كان يقال له الوافى ووزنه وزن الدينار (٣)

وقد انفرد ابن خلدون بالإشارة إلى نوعين آخرين من الدراهم عرفهما العرب هما الدرهم المغربى والدرهم اليمنى.

أما النظام المالى فى صدر الإسلام: فقد أقرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النظام المالى الذى كان يتبعه العرب قبل الإسلام، وسار أبو بكر الصديق على نفس السُّنَّة وحتى فترة من خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ولكن عندما اصطدمت الخلافة الإسلامية بأنظمة نقدية ثابتة فى كل من فارس والشام ومصر، مما استتبع ضرورة التعامل مع هذه الأنظمة النقدية بنظام نقدى، فأظهرت الحاجة ضرورة وجود عملات تضربها الدولة الإسلامية، فظهرت عملات عمر بن الخطاب. - رضي الله عنه -

وقد انقسم نقد الخلفاء الراشدين قسمين: الأول: قسم ذو نمط أجنبى خالص فى الشكل والنقش واللغة.

والثانى: قسم عليه نقوش عربية بالإضافة إلى النقوش الكسروية بإضافة (لا إله إلا الله) وعلى آخر (رسول الله) وعلى آخر (عمر) أما عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقد اكتفى بنقش (الله أكبر) (٤).

أما النظام النقدى زمن الدولة الأموية: فيمتاز فى عهد معاوية ومن بعده بسمة خاصة، هو اتخاذه نقشًا جديدا على الوجه لشخص واقف يمسك سيفاً، ويرتدى رداء طويلاً، وغطاء رأس يدوى يغطى الكتفين.

أما معدن النقد الذى ضربه معاوية، فإنه النحاس والفضة والذهب، أما المعدنان الأولان فهما امتداد لما ضرب فى عهد الراشدين قبله.

ويعتبر عبد الله بن الزبير أول من دور الدرهم أى: ضربها بصورة مدورة جيدة.

أما النقد زمن عبد الملك بن مروان فقد جرى بعدة مراحل:

١ - نقد بدون اسم، وبدون لقب الخلافة.

٢ - نقد يحوى لقب الخلافة فقط.

٣ - نقد يحوى اسم الخليفة ولقبه الخلافى.

٤ - نقد مؤرخ.

ثم فى سنة ٧٣ هـ بدأت الجهود المركزة لإنشاء عملة إسلامية بحتة، تغطى احتياجات المتداولين.

وفى العصر العباسى أذن الخلفاء لعمالهم، فى وضع أسمائهم مع أسمائهم على النقود (٥).

وهكذا ضربت النقود الإسلامية فى كل عواصم الإسلام، وفى أشهر مدنها فى العراق والشام والأندلس وخراسان وصقلية والهند وغيرها، وهى تختلّف رسماً وسعة باختلاف الدول الإسلامية، وكانت الكتابة على النقود تنقش بالحرف الكوفى، ثم تحولت الى الحرف النسخى الاعتيادي سنة ٦٢١هـ فى أيام: العزيز محمد بن صلاح الدين الأيوبى بمصر.

ويظهر من العملات التي عثروا عليها أنهم لم يكونوا يذكرون اسم البلد الذى ضربت النقود فيه إلى أوائل القرن الثانى الهجرة. وكانوا إذا ذكروا تاريخ الضرب سبقوه بلفظ "السنة" ثم أبدلوها بلفظ"عام" فكانوا يقولون شهور سنة كذا أو فى أيام دولة فلان وكان يكتب التاريخ أولاً بالحروف، ثم كتب بالأرقام.

أما مقدار ما كان يضرب من النقود فيتعذَّر تقديره إلا أن المقرىّ ذكر أن دار السكة فى الأندلس بلغ دخلها من ضرب الدراهم والدنانير على عهد بنى أمية فى القرن الرابع للهجرة ٠٠و٢٠٠ دينار فى السنة وصرف الدينار١٧ درهمًا. فإذا اعتبرنا هذا الدخل باعتبار واحد فى المائة عن المال المضروب، بلغ مقدار ما كان يضرب فى الأندلس وحدها من ممالك الإسلام ٠٠٠، ٠٠٠، ٢٠ دينار أو نحو عشرة ملايين جنيه.

(هيئة التحرير)

١ - عرف البابليون التعامل بالمعادن النفيسة وزناً، ومثالهم الأيونيون لكن نظام اللوذيين المشار إليه شبه كامل اعتمد على ضرب عملاث بأعيانها. انظر النقود الإسلامية الأولى ١/ ١٣ د. طاهر راغب حسين- مطبعة المدينة، القاهرة بدون تاريخ.

٢ - معنى كلمة دراخمة قبضة وذلك لأنها كانت تساوى قبضة من النقود النحاسية او الحديدية التى كانت شائعة الاستعمال بين عامة الشعب.

١ - إغاثة الأمة للمقريزى ص٥٠.

٤ - تاريخ التمدن الإسلامى ١/ ١٤٢ طبعة دار الهلال القاهرة.

٥ - النقود العربية والإسلامية وعلم النميات، أنستاس الكرملى ص ١٣٧ ط. مكتبة الثقافية الدينية القاهرة- الطبعة الثانية ١٩٨٧ م.


المراجع:
١ - - صبح الأعشى للقلقشندى- طبعة دار الكتب المصرية ١٩١٣ - ١٩١٩ م
٢ - كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية للكاملى- تحقيق د. عبد الرحمن فهمى- طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ١٩٦٦ م
٣ - تعريب النقود والدواوين فى العصر الأموى حسان على حلاق، القاهرة، ط١ - ١٩٧٨ م.٤ - تطور النقود العربية الإسلامية- محمد باقر الحسينى- بغداد ١٩٦٦ م

<<  <   >  >>