للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٢٣ - البعث]

لغةً: بَعثَه وابْتعثَه، بمعنى: أرسله، فانبعث .. وبعث الموتى: نشرهم ليوم البعث واصطلاحاً: هو إحياء الله الموتى، وإخراجهم من قبورهم، وقد اتفق المحققون من الفلاسفة وجميع الملليين (اليهود والنصارى والمسلمين) على أن البعث حق واقع لامحالة.

ولكنهم اختلفوا فى كيفية المعاد.

فقال الفلاسفة: إن المعاد روحانى فقط. وعرفوه بأنه عود النفوس إلى ما كانت عليه من التجرد. وأنكروا المعاد الجسمانى. وقد رد عليهم الإمام الغزالى، وفند مزاعمهم وحكم عليهم بالكفر فى كتابه "تهافت الفلاسفة" لإنكارهم المعاد الجسمانى.

وأما القائلون بالبعث الجسمانى فقد اختلفوا فى كيفيته إلى ثلاثة أقوال:

منهم من قال: تعدم الأجزاء ثم تعاد. أى أن البعث يكون بإعادة المعدوم بعينه.

ومنهم من قال: تفرق الأجزاء ثم تعاد. أى أن البعث يكون بإعادة جمع الأجزاء المتفرقة. ومنهم من قال: البعث يكون بإنشاء جديد مراعًى فيه النشأة الأولى، والمعاد هو الأول بعينه.

أما القول الأول: (إعادة المعدوم بعينه) فقد أنكره الفلاسفة والتناسخية المنكرين للمعاد الجسمانى. وقوم من المؤمنين بالمعاد الجسمانى، وهم بعض الكرامية، وبعض المعتزلة: فإن هؤلاء وإن كانوا مسلمين ومعترفين بالمعاد الجسمانى، ينكرون إعادة المعدوم، ويقولون: إعادة الأجسام هى جمع أجزائها المتفرقة.

وأما القول الثانى: (إعادة جمع الأجزاء المتفرقة) فقد أورد عليه الفلاسفة الكثيرمن الاعتراضات منها: الإنسان الذى يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا لم تعُد من هذا.

لذا فقد نقل عن إمام الحرمين: أنه اختار التوقف، وعدم الجزم بكون الجسم بعد الموت ينعدم بالكلية وتتفرق أجزاؤه لأنه لم يرد من السمع دليل قاطع على تعيين أحدهما.

أما القول الثالث: فهو ما عليه السلف وجمهور العقلاء:" أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل ترابا، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال فى النشأة الأولى. فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار عظاما ولحما، ثم أنشأه خلقا سويا.

كذلك الإعادة: يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عَجْبَ الذنب كما ثبت فى الصحيح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كل ابن آدم يبلى إلا عَجْبَ الذّنَبِ منه خلق ابن آدم وفيه يُركّب) (رواه مسلم) وفى حديث آخر: (إنَّ السَّماء تمطرمطرا كمنىِّ الرجال ينبتون فى القبوركما ينبت النبات) (رواه الهيثمى) فالنشأتان نوعان تحت جنس، يتفقان ويتماثلان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه والمعاد هو الأول بعينه. وإن كان بين لوازم الإعادة ولوازم البداءة فرق. فالنشأة الأولى: معرضة للموت والفساد،

أما النشأة الثانية (الإعادة) فهى للخلود والبقاء.

أ. د/ أحمد المهدى


المراجع
١ - انظر. تهافت الفلاسفة: للغزالى تحقيق د/ سليمان دنيا- دار المعارف.
٢ - انظر. شرح المواقف: للجرجانى- الموقف السادس- ص ١٧٧ وما بعدها. تحقيق ونشر د/ احمد المهدى ١٩٩٦ م.
٣ - انظر. شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى-تحقيق: بشيرعون- مكتبة دار البيان بدمشق ط أولى ١٩٨٥م.

<<  <   >  >>