للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٠ - العثمانيون]

العثمانيون نسبة إلى عثمان مؤسس دولتهم التى حكمها ٣٦ سلطانا واستمرت ٦٢٤ سنة ونيفا ينتسبون إلى قايى من قبائل الغز، ثم شاعت صفة عثمانى على كل مواطن ينتمى إلى دولتهم العثمانية بصرف النظر عن دينه وثقافته وعرقه كونوا إمارة ثغر تابعة لدولة سلاجقة الروم فى الأناضول على حدودها مع الدولة البيزنطية ثم استقل أميرها عثمان عام ٦٩٩هـ-١٢٩٩م وأسس إمارته على العلم والفتوحات. وفى عهده برز الشاعر عاشق باشا أول شعراء العثمانيين.

ثم توسع عثمان بالغرو والجهاد على حساب البيزنطيين، ولما مات خلفه ابنه أورخان الذى اتخذ من مدينة بورصة عاصمة سياسية وثقافية. واتبع أورخان سياسة أبيه فى نشر العلم وفى الفتح، ووصل إلى مضيق الدردنيل. ومن أبرز شعراء عصره سليمان جلبى صاحب قصيدة المولد.

وتولى مراد بن أورخان الإمارة العثمانية والتى تمتد بين الأناضول والبلقان، وفى عهده تأسست فرقة الإنكشارية أول جيش نظامى فى العالم، وفتحت أدرنة من أكبر المدن البيزنطية ٧٦٤هـ-١٣٦٢م، وظلت عاصمة للعثمانيين حتى عام ٨٥٧هـ-١٤٥٣م وأنجب عصره الشاعر نسيمى الذى نشأ فى العراق العثمانى، ونظم بالتركية فى لهجتها الآذرية. وانتصر مراد على تحالف القوى الأوربية ضده فى معركة قوصوه (كوسوفا) إلا أنه استشهد عقبها.

وفى عهد ابنه بايزيد الصاعقة انتهى عهد الإمارة لتتحول رسميا إلى سلطنة الخليفة العباسى فى القاهرة بتنصيبه بايزيد سلطانا على الروم إلا أن هزيمته أمام تيمور لنك فى موقعة أنقرة ٨٠٥هـ-١٤٠٢م تسببت فى تفرق الدولة مدة إحدى عشر عاما، بعدها لم ابنه السلطان محمد الأول شمل الدولة من جديد. وهو الذى اعتنى بالتوحيد السياسى وبالمعرفة وظهر فى عهده شيخى الشاعر المجدد صاحب خرنامة آما ثم جاء السلطان مراد الثانى وبعده محمد الثانى الذى لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية (استانبول) عام ٨٥٧هـ-١٤٥٣م واتخاذها عاصمة. وبه انتهى رسميا وجود الدولة البيزنطية وبدأ عهد الدولة الحديثة فى أوربا. وبه أيضا بدأ التاربخ الحديث.

واشتهرالفأتح كقائد عسكرى وشاعر وأديب وراع للفنون والأدب، فبالإضافة إليه نفسه كشاعر صاحب ديوان نجد فى عهده العالم آق شمس الدين، الذى عرف الميكروب وكتب عن السرطان، والشاعر أحمد باشا وكذلك سنان باشا رائد النثر التركى العثمانى، والشاعرتين مهرى خاتون وزينب خاتون. وإذا كان الأمير عثمان المؤسس مات عن إمارة تبلغ ٨٠٠ كم٢ فقد توفى الفاتح عن دولة ٢.٠٠٠.٠٠٠كم٢ أى مدى ١٥٤ سنة فقط بين الاثنين.

وإذا كانت الفتوحات العثمانية قد توقفت فى عهد بايزيد الثانى ابن الفاتح إلا أن سليم الأول الذى كان شاعرا فى لغته العثمانية وله ديوان بالفارسية وظهر فى عهده العالم اللغوى الفقيه المؤرخ ابن كمال، أعاد سليم حركة الفتوحات مرة أخرى بضمه مصر والبلاد العربية إلى الدولة. وبسليم تحولت الدولة من سلطنة إلى سلطنة وخلافة استمرت حتى عام ١٣٤٢هـ-١٩٢٣م تخللها الذروة التى وصلت فيها الدولة على عهد سليمان القانونى عصرها الذهبى من حيث توسع الدولة وسيطرتها على أوربا، ومن حيث الثقافة والفنون والأدب، فالقانونى نفسه كان أول شعراء عصره الذى أنجب فضولى أمير الشعر التركى القديم، ولامعى الشاعر، وخيرالدين باريماروس القائد البحرى، وبيرى رئيس العالم صاحب كتاب البحرية، والمعمار سنان بانى جامع السليمانية فى أدرنة قمة الفن الإسلامى المعمارى، والذى استخدم قبة الجامع التى لا تستند على أعمدة وإنما على أنصاف قباب، ثم أرباع قباب، ثم الجدار وفى ذلك توسعه لمساحة الجامع.

وفى عهد سليمان قضى على نشاط فرسان القديس يوحنا بعد الفتح العثمانى لجزيرة رودوس أما هو نفسه فقد قاد ١٣ حملة عسكرية بدات بفتح بلغراد وانتهت بحصار قلعة سيكتوار عام ٩٧٤هـ-١٥٦٦م والذى مات عن ٧٣ سنة وهو على فرسه يحاصرها، تاركا لابنه سليم الثانى دولة بلغت مساحتها ١٣.٠٠٠.٠٠٠ كم٢.

وبعد قرن كامل من الوصول إلى الذروة حكم خلاله عدة سلاطين أبرزهم سليم الثانى، ومراد الثالث، الذى ظهر فى عهده المورخ خوجه سعد الدين، صاحب كتاب تاج التواريخ وأول المؤرخين الرسميين، فتح فيه العثمانيون روسيا ووصلوا إلى مشارف موسكو لكنهم فشلوا فى حصار مدينة فيينا وعندها سقطت عنهم صفة "المنتصرون دائما"، بدأت فترة التوقف التى بدأ فيها العثمانيون فقد أراضيهم لصالح الأوربيين مثل المجر وترانسلفانيا، بموجب معاهدة كارلو فجه فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، أما فى معاهدة كوجوك قاينارجه بعد ذلك فقد بات واضحا هزيمة العثمانيين أمام روسيا فبدات فترة الانهيار مما جعل الدولة تبدأ مرحلة التجديد لاستعادة القوة، وهى التى بدأت بعبد الحميد الأول، وبرزت فى عهد سليم الثالث صاحب "النظام الجديد" نظرا لإحلاله النظم الأوربية الحديثة محل العثمانية القديمة فى الجيش والإدارة ومظاهر الحياة، مما أثار عليه جنود الإنكشارية فعزلوه وقتلوه.

نشطت الحركة الثقافية فى عهده وترجم عاصم، قاموس برهان قاطع من الفارسية.

ومن علماء عصره خوجه إسحق عالم الهندسة، ومصطفى بهجت عالم الطب جاء بعد محمود الثانى الذى هيأ الدولة لتجديد أوسع على النمط الأوربى مثلما فعل واليه على مصر محمد على باشا، مما سهل على ابنه عبد المجيد إعلان "التنظيمات" رسميا وذلك يعنى إعادة تنظيم شئون الدولة العثمانية على أسس أوربية وجعل الفرنسية لغة الثقافة تولى بعده مراد الخامس ثم عبد الحميد الثانى الذى تولى والدولة فى غاية ضعفها، مما أطمع فيها دول أوربا وبضغط من النخبة الحاكمة كرجال دولة والمثقفة على أسس غربية أعلن قيام النظام النيابى،"مجلس المبعوثان"، إلا أن هذه النخبة دفعت الدولة إلى الحرب العثمانية الروسية رغما عن إرادة السلطان وبنكبة هذه الحرب ألغى السلطان العمل بالنظام النيابى واهتم بالشئون الثقافية والدينية والعلمية طوال عهده ٣٣ عاما وصلت فيه الثقافة والفنون والنظم التعليمية إلى درجة عالية وظهر فى عهده أساطين الأدب والفكر والفن منهم:

نامق كمال، أول دعاة الجامعة الإسلامية، وضيا باشا، وعبدالحق حامد وتوفيق فكرت لكن الجيش بقيادة حزب الاتحاد والترقى أجبر السلطان عبدالحميد على ترك العرش عام ١٣٢٧هـ-١٩٠٩م ليحل محله السلطان محمد رشاد بتوجيه الاتحادين الذين أدخلوا الدولة فى حرب البلقان وإيطاليا ثم بمغامرة عسكرية منهم دون علم السلطان والصدر الأعظم أشركوا الدولة فى الحرب العالمية الأولى التى خرجت منها منهارة وقامت على أنقاضها دولة تركيا فى ٢٩ أكتوبر ١٣٤٢هـ-١٩٢٣م.

أ. د/محمد حرب


مراجع الاستزادة:
١ - فى أصول التاريخ العثمانى، أحمد عبدالرحيم مصطفى، ط٢، القاهرة ١٩٩٣م.
٢ - حقائق الأخبار عن دول البحار، إسماعيل سرهنك، القاهرة١٨٩٥م.
٣ - مصر العثمانية، جرجى زيدان، تحقيق محمد حرب، القاهرة ١٩٩٤.
٤ - حاضر العالم الإسلامى، شكيب أرسلان، ترجمة عجاج نويهض، بيروت، ١٩٧٣م.
٥ - الدولة العثمانية، محمد حرب، الجزء الثامن من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامى، القاهرة ١٩٩٦م.
٦ - السلطان عبدالحميد، محمد حرب، دمشق ١٩٩٠م.
٧ - تاريخ الدولة العلمية العثمانية، محمد فريد، القاهرة ١٩١٢

<<  <   >  >>