للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٨ - الكونفوشيوسية]

لغة: نسبة إلى "كونفوشيوس"، وهذ الاسم يتألف من لفظين: كونج، اسم القبيلة التى ينتمى إليها، وفوتس، ومعناها: الرئيس، أو الفيلسوف. فاسم كونفوشيوس يعنى: زئيس كونج، أو فيلسوفها، أو حكيمها.

واصطلاحا: تعاليم أخلاقية ودينية ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد على يد رجل يدعى كونفشيوس، صارت فيما بعد مذهبا دينيا، وقد التزمته الصين كدين رسمى للدولة حتى أوائل القرن العشرين.

ولد "كونفوشيوس" فى المقاطعة الصينية التى تسمى اليوم "شانتونج" فى عام ٥٥١ ق. م. من أسرة عريقة، إذ كان أبوه ضابطا فى الجيش، إلا أنه كان فقيرا، ومات وابنه "كونفوشيوس" فى الثالثة من عمره، فاضطر الغلام إلى الاشتغال برعى الغنم عند أحد الأمراء. ولما رأى الأمير جدَّه واجتهاده أسند إليه أحدى الوظائف، فكان يقضى أوقات فراغه فى دراسة الآداب القديمة والفلسفة والموسيقى.

وفى الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة ليتلقى فيها الشبان ذوو المواهب الخاصة أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وبجانب عمله هذا كان يقوم بوظيفة المستشار السياسى لبعض الأمراء والولاة الذين كانوا ينتفعون بآرانه فى حل ما يصادفهم من مشكلات.

وفى سنة ٤٩٦ق. م عين رئيسا للوزراء فى ولاية "لو" فأعدم المشاغبين من الوزراء ورجال السياسة، وأدب اللصوص وقطاع الطرق، كما وضع مراقبة صارمة على التجار ليمنع الغش والاحتكار، ولكن حساده دسوا بينه وبين أمير "لو" فاضطر "كونفوشيوس" إلى ترك هذه الولاية، وأخذ يتنقل من إقليم إلى إقليم يعلم الشبان وينصح الولاة.

ولم يدع "كونفوشيوس"اأنه نبى يوحى اليه، فقد كان مصلحا أكثر منه رجل دين. احترم الآلهة، وحرص على إقامة الشعائر والطقوس، وكانت عنايته متجهة إلى إصلاح النفس الإنسانية، وتكوين مجتمع سليم، قوامه المحبة والإخاء والعدل.

ويرتكز القانون الأخلاقى عنده على أربع فضائل رئيسية هى:

١ - وجوب طاعة الوالد والخضوع له.

٢ - وجوب طاعة الحاكم والانقياد له.

٣ - على الأخ الأصغر أن يطيع أخاه الأكبر.

٤ - على الأصدقاء أن يخلصوا فى معاملة بعضهم بعضا.

وهذه الفضائل فى نظر "الكونفوشيوسيين" خالدة، ويجب على كل فرد فى المجتمع أن يتحلى بها باستمرار لأن الأستمرار فى التحلى بالفضيلة هو نفسه جزء لا يتجزأ من الفضيلة.

التعليم عند "الكونفوشيوسيين" من أهم العوامل التى تجعل الأفراد يفهمون القانون الأخلاقى: ويسيرون عليه. ولذلك يجبط أن يتعلم الأفراد آراء القدماء وحكمهم، وما ورد عنهم من قصص، وعليهم كذلك أن يطلعوا على مؤلفات الكونفوشيوسيين، حتى يلموا إلماما جيدا بآرائهم الفلسفية والدينية والسياسية.

عاش "كونفوشيوس" حوالى ثمانين عاما (توفى ٤٩٨ ق. م) قضاها فى نشر الفضائل، ومحاولة إصلاح المجتمع الصينى، ولم يكن له فى حياته تأثير كبير، إذ كان الناس يعتبرونه مصلحا اجتماعيا، لأنه كان ينادى بالتمسك بحكمة القدماء، ويدعو الى إحياء التراث القديم والسير على قواعده ومبادئه وكان يؤلف الكتب فى هذا المجال وينشر تعاليمه متنقلا من ولاية الى آخرى، حتى أطلق عليه معاصروه اسم: "معلم الجنس البشرى".

وبعد قرون عدة من وفاته أعلنت الدولة -بناء على أسباب سياسية أن تعاليمه مقدسة يجب الالتزام بها، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى عبادته، فأعلنت الدولة أن "الكونفوشيوسية" هى الدين الرسمى للدولة، فانتشرت دور عبادته فى كل المدن والقرى والنجوع الصينية، وتقدم فيها القرابين له فى صورة أضحية (ثيران، وأغنام، وخنازير)، وفى بعض الأحيان يقدم القربان فى صورة أقمشة حريرية.

لم ينفرد "كونفوشيوس" بالعبادة عند العامة، بل يعبدون معه آلهتهم القديمة، فيقدمون القرابين لها ولقديسيهم المنتشرين فى أنحاء الصين.

وتنقسم مصادر "الكونفوشيوسية" إلى قسمين:

القسم الأول: كتب صينية قديمة قام "كونفوشيوس" بنقلها، ومن أهمها:

١ - كتاب الأغانى: ويحتوى على مئات الأغانى والقصائد الدينية.

٢ - التاريخ: ويشتمل على الوثائق التاريخية لتاريخ الصين القديم.

٣ - كتاب التغيرات: وهو كتاب يعالج موضوع ظهورالأحداث الإنسانية.

القسم الثانى: مؤلفات "كونفوشيوس"، ومن أهمها:

١ - الأخلاق السياسية: وهو يتضمن أقوالا مختلفة لـ "كونفوشيوس" وتلاميذه، مع شرح لهذه الأقوال.

٢ - الانسجام المركزى: وهو مأثورات مشروحة.

٣ - المنتخبات: ويطلق العلماء عليه اسم: "إنجيل كونفوشيوس"، لأنه يتضمن تلخيصا وافيا لأقوال "كونفوشيوس" فى مختلف المناسبات على نحو ما سجلها تلاميذه. وإن كان كثير من الحكم والأمثال التى تضمنها قد وضعت بغير ترتيب أو اقتطعت من المناسبة التى قيلت فيها.

ورغم أن نفوذ "الكونفوشيوسية" خضعت للتغير حسب الظروف المختلفة، إلا أنها احتفضت بقيمتها دائما، ففى عصورها الأولى أنشئت المعابد باسم "كونفوشيوس" كما أنشئت كليات لتدريس مبادئه، تمنح الدرجات العلمية فيها، واعتبرالحصول على تلك الدرجات شرطا لتولى الوظائف العامة.

وبدأ نجمها فى الأفول من الناحية السياسية والدينية فى أوائل القرن العشرين فألغيت دراستها، ولم تعد شرطا للوظائف -وإن بقيت أساسا للحياة الخلقية- ولاسيما بعد سقوط الإمبراطورية وقيام الجمهورية فى عام ١٩١٢م، ومنذ ذلك الحين فإن الشباب التقدمى فى الصين يرى فى ال "كونفوشيوسية" عقبة فى سبيل التقدم، لارتباطها بالملكية، وكذلك لما تدعو إليه من تقديس الآباء والمحافظة على التقاليد.

هذا وقد اختفت ال "كونفوشيوسية" فى الصين باستيلاء الشيوعيين على الحكم فى عام ١٩٤٩م، وإن كان بعض الباحثين يعتقدون أن روحها الأصيلة فى الشعب الصينى سوف تنجح فى تلوين شيوعية الصين بلونها الخاص، وتزحزحها عن بعض مبادئها، كما فعلت ذلك فى البوذية.

أ. د/محمد شامة


الهامش:
١ - الأديان والمذاهب الشرقية، عثمان عليش، القاهرة ١٩٦٦م.
٢ - ذيل الملل والنحل للشهرستانى، محمد سيد كيلانى، القاهرة، ١٩٦١م.
٣ - كونفوشيوس النبى الصينى، حسن شحاته سعفان، القاهرة، ١٩٥٦م.
٤ - أديان العالم الكبرى حبيب سعيد

<<  <   >  >>