للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣ - الوجد]

لغة: الوَجْد- بمعنى انفعال القلب- مصدر: وَجَدَ بالشيء وجدا، وهو بخلاف "الوجود" فإنه مصدر وَجَدَ الشيء وجوداً ووجداناً.

واصطلاحاً: يختلف الصوفية فى بيان معنى "الوجد" وحقيقته، فمنهم من يراه مستعصيا على التعريف لأن العبارة لا تقع عليه، وكأنه من باب الوجدانيات القلبية التى يصعب تصورها وتصويرها، ومنهم من عرّفه بعبارات تباينت ألفاظها ومعانيها، مثل تعريفه بأنه" ما صادف القلب من فزع أو غم أو رؤية معنى من أحوال الآخرة "، أو هو: لهب يتأجج من شهود عارض القلق أو: كما يصادف القلب ويرد عليه، بلا تكلف وتصنع .. إلخ.

والوجد محله القلب، مثل سائر الوجدانيات كالفرح والحزن والألم وغيرها .. وهم يستخرجون معنى "الوجد، من قوله تعالى] فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور [، (الحج ٤٦)، فقد استخلصوا من الآية الكريمة أن القلوب نوعان: قلوب عمياء لا ترى، وقلوب مبصرة ناظرة، أو: قلوب تجد، وقلوب لا تجد، وما يسمعه القلب ويبصره هو المعبر عنه بوجد القلوب.

وللوجد مراتب ثلاث: أولها: التواجد، وهو استدعاء الوجد بالذكر أو الفكر، وهو أضعف المراتب، لأنه مكتسب، وهو للمبتدئين فى السلوك، ويختلف الشيوخ فى أمر هذه المرتبة، فمنهم من يمنعها لما فيها من التصنع وعدم الصدق، ومنهم من يجيزها لما فيهما من التعرض للأحوال الشريفة، والمختار عندهم: صحة التواجد مطلقاً، استناداً، للحديث الشريف: "ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" (أخرجه ابن ماجه فى الزهد) .. والمرتبة الثانيه: مرتبة "الوجد"، وهو حصول الشعور الذى استدعاه السالك بتواجده، فإذا راوحه هذا الشعور، أو غلب عليه سمّى "وجدا" فإذا استمر وتوالى على القلب فهو"الوجود،، وهو: المرتبه العليا والأخيرة، وهو ذروة مقام الإحسان.

والوجد ثمرة للواردات الإلهية، التى هى بدورها ثمرة الأوراد والأذكار، ولذا كانت الأوراد شرطا فى حصول الوجد، ومن أقوالهم المأثورة: "من لا ورد له بظاهره لا وجد له فى باطنه ".

ولأن الوجد قد يلتبس برعونات النفس، قيده الصوفية بضابط الكتاب والسنة،: وقالوا:"كل وَجْدلا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل "، ولأهل الوجد تغيرات تظهر عليهم فى وجدهم مثل: قشعريرة البدن، والصعق، والزفير، والشهيق، والبكاء- والغشية، والأنين، والصراخ. وهذا للمبتدئين الذين يستخفهم الوجد ويؤثر عليهم لضعف قلوبهم عن تحمل ما يرد عليها من الإشراقات، بخلاف الكاملين من أهل السلوك، فإنهم كالجبال، لا تنزعج قلوبهم ولا تضطرب ظواهرهم.

أ. د/ أحمد الطيب


المراجع
١ - اللمع، السراج الطوسى، ١٨ ٤ دار الكتب الحديثة- القاهرة ١٣٨٠ هـ- ١٩٦٠ م
٢ - الإملاء عن إشكالات الإحياء، بهامش: إحياء علوم الدين، الإمام الغزالى ٧٨:١، ط الحلبى، القاهرة ١٩٥٧ م.
٣ - التعريفات. الجرجا نى. جـ١ الحلبى
٤ - الرسالة، القشرية للقشيرى: ط. مصطفى الحلبى- القاهرة ١٣٥٩ هـ- ١٩٤٠م. ص ٣٤
٥ - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام القاشانى: ٢/ ٣١. ط. دار الكتب المصرية ١٩٩٦ م.
٦ - مدارج السالكين، ابن القيم: مطبعة ٣٠: ٧٠ السنة المحمدية- مصر ١٣٧٥ هـ- ١٩٥٦ م

<<  <   >  >>