للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل قول لرأيه أن لا ترفض المراسيل بإطلاق، ولا تقبل كذلك بدون قيود، فمن عرف من حاله أنه لا يرسل إلا عن عدل موثوق به، مشهور بذلك فمرسله مقبول، ومن لم تكن عادته تلك فلا يقبل مرسله، وبه يحصل التوفيق بين الأقوال السابقة، فإن قبول الصدر الأول لكثير من المراسيل لا يمكن إنكاره، كما أن رد الطرف الآخر لها لا يستطيع أحد التغافل عنه.

وأقوى ما احتج به من قبل المراسيل حكاية ابن جرير لإجماع التابعين، وما أقواه من دليل لو كان ابن جرير يرى أن الإجماع قول الكل، لكن ابن جرير يرى أن قول الأكثر يعد إجماعا (١)، ولذلك ذكر الحاكم ممن رد المرسل سعيد بن المسيب، وهو من كبار التابعين.

وأقوى ما احتج به من رد المراسيل جهالة الراوي المحذوف، وإذا تيقنا أن الراوي المرسل للحديث لا يروي إلا عن ثقة، انتفي الحذور من جهالته (٢).


= والسبب في هذا التدرج الزمني أنه كلما كان الزمن أقرب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان المجهولون الذين لم يذكروا أقرب إلى فرض الثقة، ولأن الرواة الذين ذكروا الحديث من غير أن يذكروهم أهل للثقة والاطمئنان إلى أنهم لا ينقلون إلا عن ثقات عدول ضابطين، وما كان من الإمكان بعد أن تعددت الطبقات بين الفقهاء والنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في عصر الإمامين الشافعي وأحمد أن يطمئنوا ذلك الاطمئنان، وأن يثقوا بحال الذين لم يذكروا تلك الثقة.
انظر: ابن حنبل للشيخ محمد أبي زهرة ص ٢٣١.
(١) انظر: روضة الناظر لابن قدامة ص ١٢٤.
(٢) انظر: الأدلة على رد المرسل في المراسيل لابن أبي حاتم ص ٣ - ٧، جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ص ٥٠ - ٦٨.

<<  <   >  >>