للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمجتهدِ بعدهم أنْ يقولَ في إحدى المسألتين بالجوازِ، وفي الأخرى بالتحريمِ؟

وإطلاقُ القولِ بأنَّ التلفيقَ في الاجتهادِ يأخذُ حكم إحداثِ قولٍ ثالثٍ، محلُّ نظرٍ؛ فليس إحداثُ كلِّ قولٍ ثالثٍ يُعَدّ تلفيقًا، فلا بُدَّ مِنْ أنْ يكونَ القولُ الثالثُ آخذًا مِنْ كل قولٍ ببعضِه، كما في مسألةٍ: (فسخ النكاحِ بالعيوبِ الخمسة) (١): قال بعضُ العلماءِ يفسخِ النكاحِ بالعيوب الخمسةِ، وقال آخرون: بعدمِ فسخ النكاحِ بها، فإحداثُ قولٍ ثالثٍ بالفسخِ بالبعضِ دونَ البعضِ من التلفيقِ (٢).

وقد جَعَلَ بعضُ الأصوليين المسألتين السابقتين في مسألةٍ واحدةٍ (٣)، وبحثها آخرون فجعلوهما مسألتين (٤).

وسوفَ أعرضُ المسألتين في ضوءِ مَنْ جعلهما مسألةً واحدةً؛ لأنَّي مسبوقٌ بهذا الأمر، وأيضًا فقد نصَّ جمالُ الدين الإسنوي على أنَّ المسألةَ الثانية قريبةٌ في المعنى مِن المسألةِ الأُولى (٥).

وقبلَ ذكرِ الأقوالِ في مسألةٍ: (إحداث قول ثالث) أنبه إلى أمرين:

الأمر الأول: لا يقتصرُ الخلافُ في المسألةِ على إحداثِ قولٍ ثالثٍ،


(١) العيوب الخمسة في الزوج: الجنون، والجذام، والبرص، والجب، والعنة؛ وفي الزوجة: الجنون، والجذام، والبرص، والقرن، والرتق. انظر: رفع الحاجب (٢/ ٢٢٨ - ٢٢٩).
(٢) انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (١/ ٢٦٨)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (١/ ٤٨٥)، ورفع الحاجب (٢/ ٢٢٨ - ٢٢٩).
(٣) انظر على سبيل المثال: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (١/ ٢٦٨)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (١/ ٤٨٢)، والتوضيح شرح التنقيح لصدر الشريعة (٢/ ٤٢)، وتيسير التحرير (٣/ ٢٥٠)، وفواتح الرحموت (٢/ ٢٣٥).
(٤) انظر على سبيل المثال: الفصول في الأصول للجصاص (٣/ ٣٤٩)، والمعتمد (٢/ ٥٠٨)، والعدة (٤/ ١١١٦)، وإحكام الفصول (ص/ ٤٩٩)، وشرح اللمع (٢/ ٧٤٠)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٣/ ٣١٤)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (٤/ ١٣٠)، وشرح تنقيح الفصول (ص/ ٣٢٧)، والبحر المحيط (٤/ ٥٤٤).
(٥) انظر: نهاية السول (٣/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>