للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلفَ علماءُ الحنابلة فيما إذا حَكَى الإمامُ أحمدُ القولين، أو الخلاف مِنْ غيرِ أقوالِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، دون إشارةٍ إلى اختياره - وقد سَبَقَ التمثيلُ لقولِ الإمامِ أحمدَ - على قولين:

القول الأول: أنَّ الإمامَ متوقفٌ.

وهذا ما ذَهَبَ إليه الحسنُ بن حامد؛ إذ يقولُ: "المذهبُ عندي فيما كان هذا طريقه - أي: إذا أجاب بالقولين أو الخلاف - ولم يقارِنْ ذلك في مكانٍ مِنْ مذهبِه تفسيرٌ منه يُكْسِبُنا التوقفَ، ولا يُنسبُ إليه ما حكاه عن المختلفين قولٌ حتم، ولا يفرد بواحدٍ منها قطعًا، وكذلك لا يُنسب إليه أيضًا أنَّه بالقولين متديّنٌ" (١).

واختاره ابنُ مفلحٍ (٢).

القول الثاني: يُنسبُ إلى الإمامِ القولُ الأشبه بالكتابِ، أو بالسنةِ، أو بالأثرِ.

اختار هذا القولَ ابنُ حمدان (٣)، وقال عن القولِ الأولِ: "فيه بُعْدٌ" (٤).

والأقربُ مِنْ وجهة نظري هو القولُ الأول؛ ولعل مقصدَ أصحابِ القولِ الثاني هو عملُ المتمذهب، فإذا أرادَ العملَ بأحدِ القولين، فإنَّه يأخذُ بالقولِ الأشبهِ بالكتابِ أو بالسنةِ.

وأرى مِن الضروري في هذا المقامِ بيانُ آراء الحنابلةِ في الترجيحِ بين أقوالِ الإمامِ أحمد إذا أجابَ بأقوالِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -؛ إذ ظَهَرَ لي أنَّهم يفرِّقون بينَ جوابِ الإمامِ بأقوالِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، وجوابِه باختلافِ الناسِ أو العلماءِ أو التابعين، فيَعُدُّ بعضُهم الإمامَ أحمد متوقفًا إذا أجابَ باختلافِ الناسِ أو العلماءِ أو التابعين؛ لأنَّه يجوزُ أنْ يذهبَ المجتهدُ إلى قولٍ ثالثٍ لا يخرق


(١) تهذيب الأجوبة (١/ ٥٣٦).
(٢) انظر: أصول الفقه (٤/ ١٥٠٦).
(٣) انظر: صفة الفتوى (ص/ ١٠٠).
(٤) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>