أدلةُ أصحاب القول الثالث: لم أقف لأربابِ القولِ الثالثِ على أدلةٍ - فيما رجعتُ إليهَ من مصادر - وبإمكانِهم الاستدلال بأدلةِ أصحابِ القولِ الثاني؛ ليتوصلوا إلى أنَّه ليس للإمامِ أحمد قولٌ أصلًا.
• الموازنة والترجيح:
بالنظر في الأقوالِ، وما استدلوا به، يظهر لي أنَّ الراجح هو القول الثاني، هذا مِنْ جهةِ نسبةِ القولِ إلى إمامِ المذهبِ.
أمَّا مِنْ جهةِ العملِ، فيعملُ المتمذهبُ بالقولِ الأقرب إلى الكتاب أو السنةِ؛ لأنَّه مِنْ أصولِ الإمامِ أحمدَ، ثمَّ لا بُدّ للمتمذهبِ مِن العملِ، فإذا عمل بما يَرَى أنَّه أقرب إلى دلالةِ الكتابِ أو السنةِ، فقد أدَّى ما عليه.
ولا أرى مانعًا مِنْ نسبةِ المتمذهبِ القول الذي اختاره للعملِ إلى مذهبِه مقيَّدًا، كقوله مثلًا: المذهبُ كذا بناءً على أصلِ الإمامِ، ونحو هذه العبارة.
وقد رجّحتُ ما سبق؛ للآتي:
أولًا: صعوبةُ نسبةِ أحدِ القولين إلى الإمامِ، وقد ذَكَرَهما دونَ تعيينِ الراجحِ عنده.
ثانيًا: لا يترتبُ على القولِ الذي اخترتُه تعطيلًا للمتمذهبِ عن العملِ، ولا تقويلًا للإمامِ باختيارٍ لم يصرِّحْ به.
الحال الثاني: أنْ يَرِدَ عن إمام المذهب في موضع آخر ما يدلُّ على اختياره.
إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وليس في الكلامِ قرينةٌ دالةٌ عليه، لكنَّه بيَّنَ في موضع آخر القولَ الذي ارتضاه، أو أعادَ المسألةَ، فذَكَرَ قولًا واحدًا، فهل يُنسبُ إليه القولُ الذي اقتصر عليه؟