للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجّحه (١).

يقولُ الحسنُ بنُ حامدٍ: "إذا وَرَدَ - أيْ: عن الإمام أحمد - الجوابُ بالاختلافِ ... فقال بأحدِهما، فإنَّه يصار إلى ما قَطَعَ به منهما، وثُبِّتْ مذهبُه عليه، ولا يُؤثِّرُ الآخرُ شيئًا، ويُقْطَعُ على أنَّ الآخرَ ليس مذهبًا له" (٢).

مثال هذه الحالة: سألَ مُهَنّا الإمامَ أحمد عن رجلٍ قال: أولُ غلامٍ لي يخرجُ فهو حرٌّ، فخَرَجَ غلامانِ، أو كلُّ عبيده؟ فقال الإمام أحمد: "قد اختلفوا". قلتُ له: ما تقولُ أنتَ؟ قال: "يقرعُ بينهم" (٣).

ومِنْ وجهةِ نظري: فإنّ مثلَ هذه الحالة لا تحتمل وجود الخلافِ في بيانِ اختيارِ إمامِ المذهبِ؛ وذلك لنصِّه عليه.

وهنا اعتراض، وهو: إذا كان الصحيحُ عند إمامِ المذهبِ هو القول الذي اختاره، فلِمَ ذَكَرَ القولَ الآخر؟ وأيّ فائدةٍ في ذكرِه؟ (٤).

فالجواب: مِن المحتملِ أنَّ الإمامَ وطّأ لقولِه واختيارِه بذكرِ الخلافِ في المسألةِ (٥)، ثمَّ لذِكْرِ القولِ الآخر الذي لا يختاره عدة فوائد:

منها: أنْ يُعْلِمَ الإمامُ أصحابَه وتلاميذَه طُرُقَ الاجتهادِ؛ لاستخراجِ الأحكامِ، والتمييزِ بين الصحيحِ والفاسدِ.

ومنها: أنَّ بعضَ أصحابِ الإمامِ وتلاميذه قد يؤديهم اجتهادُهم إلى رأي ضعيفٍ، ولا يتنبهون إلى ضعفِه، فإذا بيَّنَ الإمامُ اختيارَه تنبهوا إلى ضعفِ غيرِه (٦).


(١) انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (٥/ ٣٩١)، ونهاية الوصول للهندي (٨/ ٣٦٣٥)، والإبهاج في شرح المنهاج (٧/ ٢٧٠٥)، وتشنيف المسامع (٣/ ٤٨٠)، والبحر المحيط (٦/ ١٢٠).
(٢) تهذيب الأجوبة (١/ ٥٠٢).
(٣) نقل ابن حامد هذه المسألة في: المصدر السابق (١/ ٥٠٠).
(٤) انظر: شرح اللمع (٢/ ١٠٧٨).
(٥) انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (٣/ ٤١٧).
(٦) انظر: شرح اللمع (٢/ ١٠٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>