للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعملُ الفقهاءِ ليس بحجةٍ، ولا سيما أنَّ الإجماعَ منتفٍ عن عملِهم، ولعل أخذَ المتمذهبِ للقولِ المتقدمِ لإمامِه؛ لرجحانِه عنده، لا لكونِه قولًا لإمامِه تصحُّ نسبته إليه.

الدليل الثالث: أنَّ قولَ إمامِ المذهب المتقدّم وقولَه المتأخرَ كانا في وقتين، وليس هذا فاسدًا، ولا تقصير فيهَ ولا شبهة؛ إذ كلا القولين صَدَرَ عن اجتهادٍ تامٍّ، وعلمنا أنَّه قولُه، وإذا كانَ ذلك كذلك، نسبنا إلى الإمامِ كلَّ ما جاءَ عنه (١).

أدلةُ أصحاب القول الثالث: استدلَّ أصحابُ القول الثالث بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: إذا جازَ لإمامِ المذهبِ أنْ يجمع في مسألةٍ واحدةٍ بين قولين مختلفين في وقتٍ واحدٍ، ويكونانِ قولينِ له، فكذلك إذا ذَكَرَ القولينِ في وقتينِ، فإنَّهما يُنسبانِ إليه (٢).

مناقشة الدليل الأول: لو فرضنا جوازَ نسبةِ القولين اللذين ذَكَرَهما إمامُ المذهبِ في وقتٍ واحدٍ، فهناك فرقٌ بين هذه الحالة، وحالة ما إذا ذَكَرَ القولينَ في وقتين، وبيان هذا: أنَّه لا يمكنُ جعلُ أحدِ القولين اللذين ذَكَرَهما إمامُ المذهب في وقتٍ واحدٍ مرجوعًا عنه؛ إذ ليس أحدُهما أولى مِن الآخرِ - ولذا قلنَا: إنَّه متوقفٌ في المسألةِ - أمَّا مسألتنا فقد ذَكَرَ قولًا بعدَ الآخر، فأمكنَ القولُ بأنَّه قد رَجَعَ عنه.

ويؤكّدُ هذا الأمر: أنَّا لو فرضنا أنَّ الشارع ذَكَرَ قولين مختلفين في وقتٍ واحدٍ، لم نجعلْ أحدَهما ناسخًا للآخر، ولو ذَكَرَ قولين مختلفين في وقتين لجعلنا الثاني ناسخًا للأولِ (٣).


(١) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٥٥٣)، والإنصاف (١/ ١٠).
(٢) انظر: التبصرة (ص / ٥١٤)، وشرح اللمع (٢/ ١٠٧٨).
(٣) انظر: المصدرين السابقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>