للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الثاني: أنَّ القولَ المتقدِّمَ الذي ذَهَبَ إليه إمامُ المذهبِ صَدَرَ عن اجتهادٍ، والقولَ المتأخر صَدَرَ عن اجتهادٍ أيضًا، والقاعدة المشهورة: أنَّ الاجتهادَ لا ينقض بالاجتهاد، فلا نُبْطِلُ الاجتهادَ الأولَ بالاجتهادِ الثاني (١).

مناقشة الدليل الثاني: سبقت مناقشة الدليلِ الثاني في أدلةِ أصحابِ القولِ الثاني.

الدليل الثالث: إذا عُلِمَ رجوعُ إمامِ المذهبِ عن قولِه السابقِ كان في حكم المنسوخِ، أمَّا إذا لم يصرِّحْ برجوعِه فلا تصحُّ دعوى النسخِ، وإنسب القولُ المتأخرُ حينئذٍ إليه (٢).

ويمكن أن يناقش الدليل الثالث: بأنَّ تصريحَ إمامِ المذهبِ بالرجوعِ عن قولِه ليس الطريقَ الوحيدَ في الدلالةِ على الرجوعِ، فقد يكون الرجوعُ بالذهابِ إلى ضدِّ القولِ السابقِ، فقَصْرُ معرفةِ الرجوعِ على ما صرَّحَ به الإمامُ غيرُ وجيهٍ.

• الموازنة والترجيح:

بتأمّلِ المسألةِ وما وَرَدَ فيها مِنْ أقوال، وما استدلوا به، يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدمِ إلى إمامِ المذهبِ، ويُعَدُّ قولًا مرجوعًا عنه، سواءٌ أنصَّ على رجوعِه أم لم ينصَّ, ولا بُدَّ مِنْ بيانِ الآتي:

أولًا: إذا صرَّحَ إمامُ المذهب بالرجوعِ، أو عُلِمَ رجوعُه، فلا يُنسبُ إليه القولُ المتقدِّمُ قطعًا (٣)، إلا عَلى سبيلِ الحكايةِ أنَّه قالَ به في وقتٍ


(١) انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٣٧١)، فقد ساق الدليل لأرباب القول الثالث.
(٢) انظر: تحرير المقال للدكتور عياض السلمي (ص/ ٧٧)، وقد صرَّح أنه استدل بالدليل الثالث لأرباب هذا القول.
(٣) انظر البحر المحيط (٦/ ١٢٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>