للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثاني: بيانُ أنَّ بعضَ المتمذهبين ينصرون مذهبَهم بأحاديث واهيةٍ.

بعدَ استقرارِ المذاهبِ والبدءِ في التأليفِ المذهبي، وَقَعَ بعضُ المتمذهبين في التساهلِ في إيرادِ بعضِ الأحاديثِ الواهيةِ والأحاديثِ شديدةِ الضعفِ المؤيّدةِ لمذهبِهم (١).

وما مِنْ شكٍّ في أنَّ وجودَ هذا الأمر ممَّا يشوّه المذهبَ ومؤلفاتِه التي تضمّنت هذه الأحاديث.

ويدلُّ على تفشّي تساهل بعضِ الفقهاءِ في الاستدلالِ بالأحاديثِ شديدةِ الضعفِ: ما ذكره أبو عبد الله المقّري في كتابِه: (القواعد) (٢)؛ إذ ذَكَرَ مِن القواعد ما نصّه: "قاعدةٌ: حذَّر الناصحون مِنْ أحاديثِ الفقهاءِ".

ولقد كان انقسامُ العلماءِ إلى طائفتين رئيستين: أهل الحديث والأثر، وأهل الفقه والنظر (٣)، داعيًا إلى بُعْدِ بعضِ الفقهاءِ عن معرفةِ الحديثِ، وما يتصل بدرجتِه والحكمِ عليه.

يقولُ أبو سليمان الخطابي حاكيًا حالَ الفقهاءِ في عصرِه: "أهلُ الفقهِ


= فيقول: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، وقد علَّق على هذا قائلًا: "ولذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث مرفوعة تشهد متونها بأنها موضوعة؛ لأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولا تليق بجزالة سيد المرسلين".
وقد نقل كلام أبي عبد الله القرطبي جماعة من أهل العلم، منهم: الزركشي في: النكت على مقدمة ابن الصلاح (٢/ ٢٨٥)، وابن حجر في: النكت على كتاب ابن الصلاح (٢/ ٨٥٢)، والسخاوي في: فتح المغيث (٢/ ١٢٠)، وعبد الرحمن المعلمي في: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (١/ ٤٤٩).
(١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٢/ ٢٥٥)، وأدب الطلب للشوكاني (ص/ ١٣١)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص / ١٥٤ - ١٥٥)، وبين متبع ومقلد أعمى للدكتور عامر الزيباري (ص/ ٥٢، ٧٦)، وتاريخ التشريع الإسلامي لعلي معوض وزميله (٢/ ٢٧٠).
(٢) (١/ ٣٤٩)، وانظر منه: (١/ ٣٥٠ - ٣٥١).
(٣) انظر: معالم السنن للخطابي (١/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>