للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد استنكرَ ابنُ حمدان عدمَ وجودِ المجتهدِ، وأشارَ إلى سببِ هذا الأمرِ، فقالَ: "ومنذُ زمنِ طويلِ عُدمَ المجتهدُ المطلقُ، مع أنَّه الآن أيسرُ منه في الزمنِ الأولِ؛ لأنَّ الحديثَ والفقهَ قد دُونا، وكذا ما يتعلق بالاجتهادِ مِن الآياتِ والآثارِ وأصولِ الفقهِ والعربيةِ، وغيرِ ذلك، لكنَّ الهممَ قاصرةٌ، والرغباتِ فاترةٌ، ونارَ الجدِّ والحذر (١) خامدةٌ؛ اكتفاءً بالتقليدِ، واستعفاءً من التعبِ الوكيدِ، وهَرَبًا مِن الأثقالِ ... وهو فرضُ كفايةٍ، قد أهملوه وملّوه، ولم يَعقلوه؛ ليفعلوه" (٢).

ويقولُ جلالُ الدين السيوطي مفرِّقًا بين المجتهدِ المستقلِّ، والمجتهدِ المطلقِ: "لَهَجَ كثيرٌ مِن الناسِ اليومَ بأنَّ المجتهدَ المطلقَ فُقِدَ مِنْ قديمٍ، وأنَّه لم يوجدْ مِنْ دهرٍ إلا المجتهدُ المقيّدُ.

وهذا غلطٌ منهم، ما عرفوا كلامَ العلماءِ، ولا عرفوا الفرقَ بين المجتهدِ المطلقِ، والمجتهدِ المستقلِّ؛ ولا بين المجتهدِ المقيّدِ، والمجتهدِ المنتسبِ (٣)، وبين كلّ ممَّا ذُكِرَ فرقٌ" (٤).

وفي كلامِ جلالِ الدّينِ السيوطي دلالةٌ على انتشارِ القولِ بإغلاقِ بابِ


(١) كذا في: صفة الفتوى لابن حمدان (ص/ ١٧)، ويظهر لي أنَّ الكلمة محرفة، وصوابها: "الحرص".
(٢) المصدر السابق. وانظر: البحر المحيط (٦/ ٢٠٨)، وإرشاد الفحول (٢/ ١٠٣٨)، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص/ ٣٧٤).
وقد علَّق ابنُ مفلح في: أصول الفقه (٤/ ١٥٥٤) على كلام ابن حمدان، فقال: "فيه نظر"، ولم يبيّن وجه النظر.
ويقول المرداوي في: التحبير (٨/ ٤٠٦٩ - ٤٠٧٠) مبينًا كلام ابن مفلح: "وهو كما قال؛ فإنه وُجِدَ من المجتهدين بعد ذلك جماعةٌ، منهم: الشيخُ تقيُّ الدين بن تيمية، ونحوه، ومنهم: الشيخُ تقيُّ الدين السبكي والبلقينيُّ".
وهؤلاء بلغوا درجة الاجتهاد المطلق المنتسب، ولم يكونوا مستقلين.
(٣) في الطبعة التي رجعت إليها: "ولا المجتهد المنتسب"، وفد أثبت ما في: طبعة دار الكتب العلمية (ص/١١٢)؛ لصحته.
(٤) الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ ٩٣). وانظر: فيض القدير للمناوي (١/ ١١)، وفواتح الرحموت (٢/ ٣٩٩)، وغاية الأماني للألوسي (١/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>